الإهداء للصديق: أنس الفقي.
عند نشري لمقالي (شخصية مثقفة)، والذي حاولت فيه مناقشة دور المثقف، جاء تعليق الصديق “أنس الفقي”، بهذا السؤال: (سؤال آخر: هل المثقف الليبي يحمل هموماً وطنية؟، أم إنه مجرد كومبارس يعشق التقليد الأعمى، وتقمص دور المثقف الأجنبي؟).
وهنا محاولة للإجابة (لا أكثر):
بالرغم من سهولة السؤال التي يبدو عليها، إلا أنه سؤال صعب، وصعبٌ جداً، كون (الوطنية) مسألة شائكة، خاصة في المرحلة الصعبة التي تمر بها ليبيا، والتي خضعت فيها الوطنية لعديد الاختبارات، التي أثبت الليبيون، أنها ككل شيء في ليبيا؛ يمكن أن يكون مصلحة، لخدمة شخص، أو تيار.
في البداية عليّ الإشارة، إلى أننا في ليبيا بقينا لفترات في أسر النظريات، دون التطبيق، بالتالي فإنا قد ندرك معنى وجود المثقف، وأهميته، والغاية من إقحامه في مشاريع التنمية بما يملك من رؤية شاملة؛ نظرياً، إلا أننا لم نعرف التطبيق العملي لدور المثقف، فظل المثقف ضمن الحدود التي رسمت له، من قبل السلطة. فبقينا نعيد قراءة النظريات، ونناقشها ونتحاور حولها، نهاراً، وفي الليل نحلم بدور حقيقي للمثقف.
المثقف الليبي، مثقف يحمل الهم الوطني، ومخلص لثقافته الوطنية ويعمل بجد من أجلها. لكن ما حدث بعد فبراير 2011، كان مربكاً؛ بعثر الأوراق، وشوش المشهد، وفتح الفرصة لأن يعزف كل موسيقاه.
فكانت أولى محاولات المثقف لضبط المشهد، وإعادة التوازن إليه، والعمل على تثبيت الهوية الوطنية، بعيداً عن المصالح والتجاذبات، في وجود هامش حرية، من خلال النشر، خاصة مع حركة النشر الصحفي الكبيرة في 2012 – 2013، التي صاحبتها حركة نشر للكتاب الليبي، تبشر بخير.
في محاولته الثانية، صار المثقف جزء من العملية الإعلامية، وآلة البث الفضائي التي تضاعف، وتوالدت، وشغلت اهتمام المواطن، فخرج المثقف في صورة: الإعلامي، والمحلل السياسي، والمحلل الاستراتيجي. كما كان من قبل في صورة: الصحفي، والمحرر، والكاتب.
في ذات الوقت، ثمة مثقف، اختار الابتعاد عن الخوض فيما يحدث، وانسحب من مشهدٍ لم يكن ضمنه، لأن الوطن أو الوطنية التي منع من ممارستها قبلاً، وجد مازال نفسه ممنوعاً منها، بعد أن شطح به حلم الحرية.
ومازلنا في أسر النظريات.
نعم صديقي “أنس”.
المثقف الليبي يحمل هموماً وطنة!!!، لكنه كما كل شيء في المشهد، ارتبك، وتشوشت بوصلته، وقد يكون البعض تبع بوصلته، ولم يعد كمثقف محافظاً على مسافة واحدة من الجميع.
أما من يحاول أن يتمثل دور المثقف، فأقول لأخي “أنس” لا تلق له بالاً، لأنه كيان غير منتج، ولا يعول عليه، وإن ملئ المشهد صياحاً.
الإنتاج هو ما يميز المثقف، والمثقف الليبي، الذي راكم نتاجه، مازال ينتظر المناخ المناسب لينثر بذاره ويحصد سنابله ثقافة ومعرفة.