فارس أحمد العلاوي – سوريا
مقهى بستان المدينة
في سنة 1953م تأسس في مدينة طرابلس نادي المدينة الثقافي الاجتماعي ، وكان لهذا النادي مقهىً عرف باسم “بستان المدينة” ، وعلمت منذ سنة تقريباً أن اسمه تغير إلى “المدينة ستار” ، يقع هذا المقهى في نهاية شارع عمر المختار من جهة معرض طرابلس الدولي ، مقابل جزيرة اللجنة الأولمبية ، ، وهو يتألف من قسمين داخلي مغطى ، وخارجي مكشوف ، تتوزع على أرضه مساحات خضراء بها أشجار ونباتات وأزهار، وعلى بعد أمتار من هذا النادي على الجهة اليمين للواقف أمامه يوجد عدد من المطاعم أذكر منها مطعم فيلادفيا، ومطعم البرمة الذهبية ويوجد أيضاً محلات للتصوير ومكاتب للسياحة والسفر، ومصرف الجمهورية الذي يوجد بجانب مدخله محل يبيع الحلويات والجيلاتي، وأما على اليسار فتوجد مكاتب الخطوط الجوية العربية الليبية، وبالقرب من الخطوط الليبية يقع فندق الواحات، وفي الجهة المقابلة يوجد جزيرة على يسار الواقف أمامها فندق أطلس ومحل لبيع اللوحات الفنية ومحل للتصوير ومطاعم للوجبات السريعة، وعلى اليمين نجد معرض طرابلس الدولي ، ومبنى اللجنة الأولمبية الليبية ، وفي منتصف الشارع جزيرة دائرية بها نصب تذكاري تعرف بجزيرة اللجنة الأولمبية كما ذكرنا أعلاه(1).
مقهى بستان المدينة كنت واحداً من رواده طيلة ما يقرب من عشر سنوات ، وذلك لأنني عند قدومي إلى طرابلس كنت أقيم في كثير من الأحيان في فندق قريب منه ، كنت أجلس في هذا المقهى أحياناً في النهار ، وغالباً في الليل ، وذلك لأن جمال مقهى بستان المدينة يكون في الليل ، وخاصة في ليالي الصيف ، كان المكان المفضل بالنسبة لي بالقرب من جدار مدخل مصرف الجمهورية ، أحمل معي صحيفة أو كتاب ، وأطلب كأس من الشاي الأخضر أو الأحمر مع ورقات النعنع الأخضر ، وقطعة ليمون ، يزيدها جمالاً نسمات البحر اللطيفة التي تداعب أوراق الأشجار ، ساعة قد تصل أحياناً إلى ثلاث ساعات أنهي فيها قراءة الصحيفة أو قسماً كبيراً من كتاب ، وتغيب القراءة حين يكون برفقتك صديق عزيز عليك ، وكان من بين هؤلاء الأصدقاء الأعزاء الدكتور أبو الحجاج عبد الجواد حسين الأقصري المصري، أستاذ الكيمياء في كلية الصيدلة في شمال سيناء حالياً ، وزميلي في كلية المعلمين في تيجي سابقاً ، صديق من أصدق من عرفت من الأساتذة الزملاء ، جاد إلى أقصى درجات الجدية ، ولكن إن وثق بك تنفرد أساريره ، فتجده واحداً يختلف جذرياً عن الذي كنت تعرف بالأمس عليه ، صديق تشعر بالراحة حين تقيم معه ، وذات الشعور حين ترافقه في السفر والترحال ، كان صديقي الأقصري رفيقي في كثير من ليلي الصيف في مقهى بستان المدينة ، كنَّا نجلس في ذلك المقهى ساعات نتبادل الأحاديث والذكريات، يرافقنا كأس من الشاي بالليمون والنعناع أو فنجان من القهوة أو الكابتشينو، ولا بد من النرجيلة التي كان صديقي الأقصري يفضلها في هذه الجلسات، آخر مرة جلست فيها في هذا المقهى كان قبل يوم أو يومين من مغادرتي لطرابلس في آخر زيارة لها ، وبعد عودتي إلى دمشق كنت حين أرى صورتي في ذلك المقهى تتداعى في مخيلتي الذكريات ، ذكريات مدينة طرابلس التي لا تنسى ، وكيف تنسى ؟ وطرابلس كلها ذكريات جميلة لا يمكنها أن تدخل في عالم النسيان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أسماء المحلات والفنادق ، قد يكون أكثرها قد تغير اسمه الآن ، وأنا ذكرتها كما كانت تسمى قبل عشر سنوات.