من أعمال التشكيلية الليبية .. مريم العباني
قصة

جدار ناري

من أعمال التشكيلية الليبية .. مريم العباني
من أعمال التشكيلية الليبية .. مريم العباني

 

زحف ككتل الرمال الصحراوية المتراصة المنسابة عبر كل المسامات،‮ ‬مستجمعا شيئا من قواه‮. ‬تراءت له صورة الماضي؛ توقف قليلاً‮ ‬ليختليَ‮ ‬بها‮ ‬غمرته ابتسامة مخلوطة بقهر،‮ ‬تنهد أحس‮ ‬ّ‮ ‬شجون الأمس تلسعه كنار لايراها،‮ ‬ترسل شررَها فتحرق ما تشاء وتسري كيفما شاءت‮. ‬أوغل فيه تمني لو بإمكانه أن‮ ‬يصحح شيئاً‮ ‬من مواقف الأمس،‮ ‬حدث نفسه‮: ‬ليتني أستطيع تعديل بعض الجمل والكلمات‮! ‬استطرد‮: ‬لماذا قلتها؟ من أين اكتسبتُ‮ ‬كل تلك القوة،‮ ‬وكيف هجرني العقل؟
التفت نحو قرص الشمس الحارق،‮ ‬أسقط عليه شيئا من خياله،‮ ‬رفع عمامته فبانت قطرات العرق علي جبينه،‮ ‬أشار إليها‮: ‬خبريني‮ ‬يا شمس هل العقل‮ ‬يهجر مثل القلب؟‮!!‬
أصدر صوتا‮ ‬ًمصحوباً‮ ‬بقهقهة متحشرجة،‮ ‬اتكأ علي كتل الرمل المحيطة به،‮ ‬نظر نحو سيارته التي عجزت عن إكمال مسيرها،في حركة عشوائية استل سيجارة من جيبه المدسوس في أقصي صدره،‮ ‬نفخ فيه سرعان ما التهمها،‮ ‬تلاشت وظل ريحها‮… ‬امتد بصره عبر فسيح الفضاء،‮ ‬الأصواتُ‮ ‬تلاحقه،‮ ‬النظرات،‮ ‬حديث زوجته التي عيّرته بأشياء لايحب تذكرها؛ كانت جميلة،‮ ‬وكان هو أسود‮! ‬
نعم أنا أسود‮.. ‬وهي بيضاء متوهجة البياض كالشمس في عينيها‮ ‬يسكن عالم؛ أما في عينيّ‮ ‬تسكن ذكري وألم‮ !!‬
تعمق نظره في بطن الصحراء‮: ‬نفث شيئا من آهة‮ … ‬
تريد كل شيء كلما اقتربتُ‮ ‬منها صدّني ذلك الجدار‮!!‬
ها هي اليوم تخلو وحيدة،‮ ‬لعلها تهاتف صويحباتها-الآن‮- ‬؛ وتخبرهن أن عنترة خرج ليجلب‮  ‬النوق البيض،‮ ‬هأنا‮  ‬أضاجع صحرائي وشمسي تنظر إليّ‮ ‬بعينين حانيتين؛ أما سيارتي ليست كحصان عنتر‮…‬عنتر هو من‮ ‬يقود حصانه،‮ ‬أما أنا‮..! أصدر ضحكات متتالية ارتفع معها جسده وهبط حيث الحسرة،‮ ‬استلقي علي ظهره،‮ ‬شعر أن الكون من حوله جدارٌ‮ ‬ناري،‮  ‬حيثما‮ ‬انطلق صدّه ذلك الجدار‮.‬

مقالات ذات علاقة

الضحية

المشرف العام

ملاعق الملح

عبدالرحمن جماعة

الخميس

إبراهيم دنقو

اترك تعليق