غلاف كتاب: طرنيش في القلب.
قراءات

في الذكري الخامسة لرحيله… كتاب طرنيش في القلب

“… إليه… بعض ما يمكن أن أقدمه”.هكذا يهدي الأستاذ الإعلامي والصحفي يونس الفنادي كتابه (طرنيش في القلب) لصديقه الراحل الكبير: “محمد رجب  طرنيش، وقد صدر الكتاب في شهر يوليو، عن مكتبة طرابلس العلمية العالمية، ويبدأ الكتاب بمقدمة بقلم الأستاذ جمعة أحمد عتيقة، (جدلية التواصل)، حيث يقول :(وجدت نفسي أعرف (محمد طرنيش) دون، أن أتذكر تفاصيل اللقاء والتعارف… محمد طرنيش لا يستأذنك في الدخول إلي قلبك… لا يدق الأبواب ولايخضع لمراسم العلاقات الثلجية الجامدة… ينفذ كحزمة ضوء إلي أعماقك”. [ص 5]

غلاف كتاب: طرنيش في القلب.
غلاف كتاب: طرنيش في القلب.

يقسم الفنادي كتابه إلي ست أقسام، القسم الأول هو: (الكتابات) [ص 7] والذي يكون مدخله مقالة بعنوان: “الكتابة النقدية الساخرة في ليبيا… منذ أبو قشة إلي طرنيش”. ويقسم المقالة إلي: مقدمة [ص 9]، ثم الكتابة النقدية الساخرة في ليبيا [ص 100]حيث يتحدث عن صحيفة (أبوقشة) التي تأسست عام 1908 لمؤسسها محمد الهاشمي المكي، وهي أول صحيفة هزلية بالعامية في ليبيا، ويواصل مقالته، فيقول” “واستمر غياب الأسماء اللامعة المتخصصة بهذا اللون الصحفي في ليبيا حتي ظهور المرحوم الصادق النيهوم الذي سيظل بمقالاته الصحفية التي نشرها خلال فترة الستينات والسبعينات من القرن العشرين صوتا مميزا ورمزا من رموز الكتابة النقدية الساخرة في ليبيا” [ص 11-12]. (ومع تواصل الحركة الصحفية الليبية في انتاج  الكفاءات والقدرات المبدعة ظهر خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي كاتب وطني ترك بصمة واضحة…، وهو الصحفي المرحوم (محمد رجب طرنيش). [ص 12] ويري الأستاذ يونس من خلال تتبعه لمسيرة كتابة طرنيش أن “من خلال مشوار الصحفي محمد رجب طرنيش في العمل الأهلي التطوعي والمهني المصرفي وشبكة علاقاته الإنسانية الضخمة نستطيع أن نؤكد بأن مصدر جل معلوماته وأفكاره هم هؤلاء الناس الذين كانوا هدفه ووسيلته في نفس الوقت” [ص 13]، في القسم الثالت من المقالة يتناول مقالات طرنيش النقدية [ص 155]حيث يتتبع من خلال جدول توضيحي مقالات الصحفي الكبير والتي ضمتها زاويته في صحيفة “الشط” والتي أسماها (جنان النوار) [ص 15-16]، وأيضا جدول ثاني لمقالاته في زاويته المسماة (في الهواء الطلق) بصحيفة (مال وأعمال). [ص 20-21]
وفي الجزء الرابع من المقال (نماذج مختارة من مقالات طرنيش) [ص 22] والذي يري الفنادي أنها: قراءة انطباعية، يختار مجموعة من مقالات الراحل ليعرضها ويوضح مراميها ولغتها وطريقة استعماله لمفردات العامية والأمثال الشعبية ليوصل مضامينه بأسهل الطرق إلي قلب وعقل القاريء هذا المواطن البسيط، الذي من أجله يكتب طرنيش ويتحدي، وهذه المقالات هي (الوخز بالإبر الليبية) و(عن الموز الليبي أحدثكم) و(هروكي يا حكومة غانا).
الإسم الحركي لحرية  الكلمة
يواصل يونس الفنادي الإبحار بنا في الفضاء الرحب لعوالم الصحفي المبدع المناضل محمد طرنيش، فنجد  مقالته / طرنيش أبكي لبنان)ص37  وفي هذه المقالة التي نشرها بزاوية أسبوعية يكتبها لصحيفة فبراير، يقول: “هل يغادر الوطن جغرافيته ؟ هل يغادر الورد روضه؟ وهل يغادر المحبّ أحبّته؟ وهل حقا غادرنا محمد طرنيش؟)، وفي هذه المقالة يخبرنا عن افتتاح “صالون المرحوم محمد طرنيش الأدبي” في بيت الأستاذ الحاج عادل الهادي المشيرقي. [ص38]
(طرنيش رئيس للوزراء) هي المقالة التالية، ومن خلالها  سيحدثنا عن “احتفالية” أقيمت لتكريم الفقيد الغالي والتي قدمت فيها شهاداتى عنه، ومن هذه الشهادات (التي ظل مضمونها سريا) 40 وهي شهادة عن ترشيحه ليكون (ممثلا عن مدينة طرابلس ليكون عضوا في المجلس الانتقالي بمقره في بنغازي) [ص 41]
المقالة التالية كانت بعنوان: “طرنيش الإسم الحركي لحرية الكلمة” [ص 43]، ومن خلال مقدمة تمسك بتلابيب القلب وتقوده للقراءة طائعا، يحدثنا  الفنادي عن تقديمه للراحل في أمسية أقيمت بدار حسن الفقيه حسن، وكانت محاضرته عن “صعوبات العمل الأهلي في ليبيا”، وفي المتن سنجد أن ثمة احتفالية للاحتفاء بفقيد الكلمة الحرة محمد طرنيش ولقاءا مع (الأستاذة أحلام محمد الكميشي أرملة المرحوم للتعرف علي بعض الجوانب الخاصة)، من حياة الفقيد، ولقاءا مع (عبد الرزاق الشبل عضو لجنة التنظيم لتسليط الضوء علي هذا الحدث الأول الذي تقيمه وزارة الثقافة في الحكومة المؤقتة) [ص 44]
الكاتب يونس الفنادي في كتابه الاحتفائي بذكري رحيل صديقه وصديقنا محمد طرنيش، يوثق مقالات كتبت عن الراحل، فكانت مقالة الأستاذة المبدعة  عزة المقهور (قليل من الذاكرة كثير من الوطن) [ص 53]وهي مقالة تفيض بالأسي والوقائع البهية، تقول عزة (يذ كرني طرنيش بعمالقة الصحافة المصرية مخزن لأسرار، عارف بمايدور حوله، )ص53وتختم مقالتها الندية بكم من التساؤلات التي تبحث عن إجابة “كم نفتقدك اليوم ’ونفتقد مقالاتك التي تجكي حكايات البسطاء، وآلام المظلومين، وأفاعيل الكبار، كم نفتقدك اليوم، كما تفتقدك المدينة القديمة وسوق الجمعة وأهل طرابلس وكل ليبيا… فهل سنسقي (جنان النوار) ليزهر من جديد؟ [ص 54]، في الصفحة التالية سنجد كلمة الأستاذ نزيه عاشور، سفير لبنان، وكانت هذه الكلمة في صالون طرنيش الأدبي في /13/ 12 /2011، والتي يقول فيها عن الفقيد “كرس نفسه لكرامة الإنسان  وحقوقه، فما أشرفها من من قضية تنسك بها، وجند نفسه لثقافة والفكر، فما أعظمه في ساحتهما وسجالاتهما”. [ص 55]
علي الصفحة ست وخمسون قصيدة الشاعر غبد المولي البغدادي “يا أبامصعب… فراقك صعب” والتي يختمها قائلا:

يا أبامصعب فراقك صعب
كيف أرثيك موقفا وكيانا،..
كيف أرثيك شاهدا وشهيدا
كيف أرثيك مبدعا فنانا

“محمد طرنيش، رحلة انتهت قبل أن تكتمل” [ص 60] عنوان جميل وأسيان بقلم السيدة أحلام الكميشي، وخلال هذه المقالة نعرف جوانب مشرقة من حياة هذا الإنسان المناضل العاشق لبلاده وشعبه. تقول في خاتمة المقالة “مازالت مخطوطاته علي الرف ومسودات كتبه، في أدراج مكتبته وبدايات كثيرة لم تنتهي ولا أخالها تنهي، تقطعت السبل بالكثير من أحلامه وتطلعاته”. وتنهي بتساؤل موجع: “ل سيطوق النسيان أو النكران ذكري هذا الرجل ومكانته في الذاكرة الليبية؟!!” [ص 62].
شقيقة الراحل فاطمة رجب طرنيش تكتب عن أخيها شهادة رصدها الفنادي بالصفحة 63 (شهيد القلم) تقول: “قلم نابض بحب الوطن ولترابه عاشقا منذ الصغر،… قلم نطق وتكلم في كل الأمور متألما لأوضاع الوطن… عشت عزيزا، ومت عزيزا أيها البطل”.
الوثائق والصور، كانتا ثانيا وثالثا من هذا الكتاب، حيث نقرأ من خلال هذه الوثائق أحداثا ووقائع هي جزء من ذاكرة ليبيا، فالراحل محمد طرنيش، لم ينفصل لحظة عن نبض شعبه ولم يهادن في حقوقه، والوثائق التي حواها هذا الكتاب توضح بعضا من مسارات حياته، ولكن أجمل مافي هذه الوثائق هي الوثيقة الموجودة بالصفحة 68، وهي موجهة له بصفته ’رئيس تحرير صحيفة الشط، ومن خلالها ستعرف تلك الواقعة التي تحدثت عنها السيدة أحلام في مقالتها، حيث كتب عن أحد المناهج في مصر الشقيقة والتي تسيء للشعب الليبي، فإذ بتلك المقالة تثير الإنتباه، وسنعرف من خلال هذه الوثيقة الموجهة له من المركز الثقافي المصري في طرابلس، أنّه قد تم حذف العبارة حفاظا علي علاقة الشعبين، كما ورد في الوثيقة (وحرصا من الوزارة علي دعم أواصر الشعبين الشقيقين الليبي والمصري فقد تم حذف العبارة، محل الإشارة في التحقيق الصحفي).
في الجزء الرابع من الكتاب، سنجد نماذج من مقالات وكتابات طرنيش [ص 107] حيث أدرج الكاتب يونس الفنادي مقالات  الراحل التي قام بدراستها، ومحاضرته عن “العمل الأهلي في ليبيا” أما الجزء الخامس فكان عن “جمعية طرنيش الثقافية” [ص 125]، حيث أورد كل ما يخص هذه الجمعية، ويجيء الجزء السادس ليكون مسك الختام حيث السيرة الذاتية للمرحوم محمد طرنيش [ص 137-140]، وقدعرض الكاتب محطات الراحل منذ ميلاده عام 1952 مرورا بمراحل هامة في نشاطه الصحفي والاجتماعي  وقد جعل ختام هذه السيرة بمعلومة هامة ومشرفة في سيرته (فاز المشروع الثقافي والإعلامي الذي تقدم به  لحكومة ما ليزيا من بين خمسين اعلاميا عربيا بتقدير خاص وتم اقراره وضم مفرداتهى وتصوراته إلي وزارة الثقافة والسياحة وتم تقديره بشكل متميز من سيادة الدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق .وتمّ بذلك اختياره للجنة الإعلامية العليا لمؤتمر الإسلامي العالمي الذي يعقدةفي كوالالمبور كل سنتين) [ص 140]، لكن الأستاذ الفنادي نسي أن يذكر في هذاالجزء من سيرة الفقيد، متي كان ذلك، أي في أي عام تقدم طرنيش بمشروعه الثقافي والإعلامي وتمّ اقراره، واختياره هو للجنة الاعلامية العليا لمؤتمر الإسلامي؟ وأيضا لم ينتبه وهو يكتب هذه السيرة والتي تبدأ بميلاد الراحل أن يوثق تاريخ وفاته في يوم 19/7/2011 رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

إذا هذه اطلالة علي كتاب تميّز بالمحبة والعرفان، ومحاولة (إليه… بعض ما يمكن أن أقدمه)، وكما يذكرنا يونس الفنادي من خلال  قراءته لتجربة طرنيش في الكتابة الساخرة، بأن “الكتابة النقدية الساخرة في بلادنا منذ عهد أبي قشة وحتي الآن، بحاجة لمن يغوص فيها ويقدم دراسة تحليلية وتأريخية متعمقة، تبرز خطورة الكلمة النقدية وأسلوبها الساخر…، وهذا لا يتأتي إلا من خلال توثيق وفرز ومطالعة كل الأعمال التي أنتجت هذه المقالات الجادة والتي من بينها ماتركه لنا المرحوم الأستاذ محمد رجب طرنيش، وهو ماهدفت إليه من خلال هذه القراءة المتواضعة والتي آمل أن تكون بداية لمشوار يتولاه المختصون في النقد والصحافة في ليبيا الحبيبة” [ص 36]
طرنيش في القلب، ولكن حتي العقل يحتاج إلي التعرف علي تجربة ثرية وجادة، والأجيال التي غابت وتغيب عن مبّدعيها وكّتابها وصحفييها، تحتاج أن تعرف محمد طرنيش العاشق لبلاده وشعبه، أن تقرأه لتفهم وتستوعب وتنهض، سلام الله علي محمد طرنيش، وشكرا للاعلامي والصحفي يونس الفنادي.

_______________

نشر بموقع ليبيا المستقبل

مقالات ذات علاقة

(في الحَربِ والثقافة) والرؤية الثاقبة للأحداث

يونس شعبان الفنادي

قراءة تحليلية لمجموعة بشير زغبية القصصية “كان هذا هو الموجز”

زياد علي

الكلب الذهبي يستنطق أبعاد التاريخ

مهند سليمان

اترك تعليق