#تسعينية_المصراتي
هذه صورة جميلة ونادرة لأنها تسجل احتفالية عائلية اقيمت تقديرا ومحبة لعميد ادباء ليييا الاستاذ علي مصطفى المصراتي، حيث ابدو الاول في الصورة على يمين القارئ بينا يتوسط الصورة المحتفى به صاحب عيد الميلاد الاستاذ المصراتي وقد احاط به بعض افراد عائلته، وعلى يميني متواريا قليلا الصديق الدكتور محمد معافي صهر الاستاذ المصراتي ثم احفاد الاستاذ ولا ادري متى كانت هذه الصورة واين اخذت وهل هي في عيد ميلاده الثمانين ام بعد ذلك، اي يمكن ان يكون قد مر عليها عشر سنوات لأنني اردت ان نجعل هذا العام احتفالية تقام لهذا الصرح الكبير من صروح الادب والثقافة والنضال السياسي، لأنه يوافق عيد ميلاده التسعين، وقد كتبت نداء بذلك، ولكنها صرخة في البرية، لأنه لا وجود لدولة في البلاد يمكن ان تلبي مثل هذا النداء ولا وقت لمن هو موجود في الحراك السياسي لغير الصراع وتامين مكان لنفسه في المشهد خوف المستجدات والتطورات التي تهدد كل من هو موجود في هذا الحراك ، خاصة وان البلاد كلها على كف عفريت.
ولكن هناك في ليبيا اوتاد مثل اوتاد البيت وهناك ركائز مثل ركائز البيت واحد هذه الاوتاد وهذه الركائز الاديب والكاتب والباحث الذي امضى اكثر من ستين عاما من عمره يؤسس ادبا ويؤسس فكرا ويبحث في تاريخ حضارة هذه البلاد ويوثق لادبها وفكرها وصحافتها لكي لا يضيع التاريخ ولكي لا تضيع العلامات الحضارية التي تركها الاسلاف وسط هذه الفوضى وهذا الاهمال وهذا التجاهل الرسمي لكل بعد ثقافي حضاري للاسف الشديد. نعم شخصيات مثل على مصطفى المصراتي هي التي تعيد الثقة في ليبيا وتعيد الامل في مستقبلها وان بها رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، اللهم امنح الصحة والعافية لشيخنا الجليل ومتعه بالوقت الطيب ومد في عمره لتقديم مزيد من العطاء والانتاج انك على كل شيء قدير.
وثلاث قصص في ثلاث دقائق عنه
ببلوغنا هذا العام 2016 يبلغ شيخ ادباء ليبيا وحامل رايتهم الى المجد ان شاء الله، الاستاذ على مصطفى المصراتي، عامه التسعين، منحه الله الصحة والعافية وابقاه رمزا وطنيا ومبدعا كبيرا، ورغم ما تمر به البلاد من حالة الفوضى والصراع السياسي، فان هناك مؤسسات ثقافية تعمل في ظل هذه الظروف وهي المدعوة الى الاحتفال في غرب البلاد وشرقها وجنوبها بهذه المناسبة وان تجعله عاما للاحتفال بهذا الرمز من رموز الوحدة الوطنية واهل الفكر والثقافة والابداع والحضارة.
فارجو ان تجد هذه الدعوة من يتلقاها ويقوم بتفعيلها لان ليبيا بحاجة للاحتفاء بالقيم التي يمثلها هذا الكاتب الذي له في كل باع باع وله في كل مجال اسهامات ، ادبية ووطنية واخرى تتصل بالتراث والذاكرة الوطنية تاريخا وجهادا.
وهذه ثلاثة مواقف اضيفها الى رصيد من الحكايات التي رويتها عنه تظهر مدي حكمته وسعة افقه وما يتمتع به من روح الدعابة.
القصة الاولى
التحق في اول عودته الى ليبيا اواخر الاربعينيات بحزب المؤتمر الوطني، خطيبا يرافق زعيم الحزب بشير السعداوي في جولاته داخل البلاد، وبعد عدة خطب حماسية ، يستهلها بنداء الى الجماهير قائلا “ايها الشعب الليبي الباسل”، وجد اكثر من مواطن وبينهم شيوخ قبائل يلومونه لانه يبدأ خطابه بشتيمة الشعب، وطبعا كان كلامهم موضع استغراب واندهاش الاستاذ المصراتي الذي كان يحرص على تمجيد الشعب والاشادة بسجله البطولي، وسال عما يقصدونه بهذه الشتيمة، فاذا بهم يحتجون على كلمة الباسل التي لا يعرفون معناها الفصيح المرادف للشهامة والشجاعة والطولة، وانما يعرفون معنى شعبيا لهذه المفردة، يعنى البرود وعدم النباهة ، وطبعا لم يكن يخطر على باله هذا المعنى الشعبي وهو الذي عاش طوال حياته في مصر، فتوقف عن استعمال نداء ايها الشعب الليبي الباسل ولم يعد لاستخدامها في اي خطاب من خطاباته.
القصة الثانية
كان البند الاول في احاديثنا عند كل لقاء هو الهم الوطني ومباذل وكوارث النظام الانقلابي وحماقات رئيسه التى ادخلت البلاد في مأزق وادخل الشعب الليبي في متاعب وكوابيس، وحدث ان انتبه احد رفاق الجلسة الى اننا كثيرا ما نعيد نفس الكلام ونكرر نفس الشكوى فابدى اعتراضه قائلا كيف لا نضجر ونحن نعيد نفس الاسطوانة المشروخة عن البؤس والتعاسة التي اوقعنا فيها هذا النظام ورئيسه الاحمق، ولم نجد ردا ندفع به تهمة الاجترار لانها تهمة صحيحة ، فسكتنا الا الاستاذ المصراتي الذي كان رده جاهزا، فقال يخاطب زميلنا صاحب الانتقاد قائلا له عندما يكون الانسان يشكو الما في ساقه، بسبب شرخ او كدمة في هذه الساق، او يشكو صداعا مزمنا يداهمه، وصار يتألم ويتأوه امامك ويصيح قائلا آه آه آه ، فهل تلومه لانه اعادها في اليوم التاني وتطالبه ان يصمت لانه قال هذه الاه بالامس، انه بالتاكيد لن يتوقف عن ترديد هذه الاه واعادتها مرة ومائة والف ومليون حتى يزول الالم. ولهذا فما نقوله هو تعبير عن الالم يساوي مثل هذه الاهات وسنعيد كلامنا ونكرره مرة ومائة والف ومليون حتى يزول الالم او نزول نحن من الحياة، ما رأيك؟
وطبعا كانت تلك هي المرة الاخيرة التي يلومنا فيها صاحبنا عن اعادة مانقول وتكراره يوما وراء الاخر.
القصة الثالثة
جاء الاستاذ المصراتي الى لندن زائرا واقام في فندق جميل صغير متواضع، وكنت اتردد عليه في هذا الفندق، فوجدته عندما وصلت اليه مساء ان بابه مقفلا، فطرقت الباب حتى خرج لي احد عمال الفندق وادخلني الى حيث كان الاستاذ المصراتي في انتظاري في الصالون، فابديت استغرابي من فندق يقفل ابوابه ولا يفتحها الا بالاستئذان، فرد ساخرا مستخدما تعبيرا شعبيا شهيرا بلغتنا الدارجة قائلا
ـــ شنو تحسابه فندق؟
ولم يكن ما حسبته فندقا الا فندقا حقا ولكنه بالتاكيد اكتسب قيمة اكبر بفضل ساكنه الذي اضفى عليه هذه القيمة اولا بوجوده فيه وثانيا بهذا المثل الذي يستخدم عادة للتعبير عن خصوصية المكان وحميميته وتفضيله على الفندق.
ما قاله الاستاذ على مصطفى المصراتي
لن ينضب معين الحكايات التي يمكن ان تروى عن شيخ ادبائنا الاستاذ على مصطفى المصراتي، اطال الله عمره، وهذه احداها ولعلها كانت اكثر النوادر خطورة ، لانها كانت تتصل براس الدولة، وتشهد بالشجاعة الادبية النادرة لهذا الرجل، ورغم انني سمعتها منه في مجلس خاص ، الا انه اعادها ذات يوم في خيمة مأتم يضم عددا كبيرا من الناس، وكانت النادرة من الخطورة الى حد انها ارسلت الرعب في القلوب بدلا من ان تكون موضع تفكه واضحاك، ولان المكان مأتم وحديث الموت يجر احاديث اموات اخرين فقد جاء ذكر وفد العزاء الذي ذهب الى الجزائر يعزي في وفاة الحاكم العسكري للجزائر رحمه الله السيد هواري بومدين، وحرصت السلطة الليبية ، بسبب قوة العلاقة بين الحكومتين الا تكتفي بموفد رسمي يمثل رئيس الدولة فقط، وانما ارسلت وفدا شعبيا يضم عددا من الافراد بينهم الاستاذ المصراتي، وقال في معرض الحديث عن هذا المأثم الدولي الذي اقيم للرئيس الجزائري الراحل، ان اهل العزاء اكبروا هذه المبادرة اللييية بارسال هذا الوفد الذي يضم شرائح من الشعب الليبي، وابدوا امتنانهم يلهجون بالشكر والثناء على ليبيا وشعبها وسلطتها، ويضيف الاستاذ المصراتي قائلا، انهم باذن الله سيحضرون الى طرابلس العاصمة الليبية، بوفد اكبر من وفدنا ويضم شرائح اكثر تعبيرا وشمولا من تلك التي ضمها الوفد الليبي الذي ذهب للعزاء في الرئيس الجزائري الراحل، فور ان يصلهم نعي نظيره في ليبيا، قياما بالواجب وردا للجميل، ولم يكتف بذلك بل واتته الجرأة ليضيف قائلا وهانحن بالانتظار راجين ان يصدقوا في وعدهم.
ولم يكن غريبا بعد ذلك ان نرى عددا من الذين يجلسون معنا في هذا الركن من سرادق العزاء يتحركون قفزا بكراسيهم مبتعدين عنه، منتقلين الى اقصى مكان في السرادق، لكي لا يحسب عليهم سماعهم لمثل هذه النكة السياسية ذات الابعاد الخطيرة التي تجلب السجن او الاعدام.