بقلم وعدسة: زياد جيوسي
من يتابع الأمسيات الثقافية في عمّان عاصمة الأردن الجميل، يلاحظ أن معظم النشاطات الثقافية والأدبية هي مبادرات شبابية، وهذا لم يكن ملاحظا في الفترة السابقة، ولعل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورها في ذلك، وفي الفترة الأخيرة لوحظ أن هذا الانتشار أصبح يشمل الفن التشكيلي، فبدأنا نلاحظ في المشهد الثقافي معارض شاملة للفنانين الشباب، ولعل هذا يعكس رد فعل على سيطرة صالات العرض “الجاليريهات” التي انتشرت في السنوات الماضية بعد أن تحول الفن الى تجارة، حتى أن صالات العرض المتميزة والتي كانت تنطلق من رسالة يؤمن بها القائمين عليها وغالبا هم من الاطار الفني، بدأوا يشكون ويتذمرون من انتشار هذه الصالات بدون هدف ولا رسالة وبدون وعي للقائمين عليها، فالعديد منها لا يقدم للفن ولا للفنان شيئا سوى صالة للعرض مدفوعة الثمن او لاستعراض القائمين عليها أنفسهم، والبعض من الذين لا علاقة لهم بالفن ولكنهم يمتلكون المكان، حولوا بعض الأمكنة لصالات عرض مهمتها فقط استعراض أصحابها أنفسهم بقص شريط الافتتاح، أمام عدسات بعض المصورين وبعض مراسلي مواقع الكترونية لا تعدو أكثر من موقع الكتروني فردي لا وجود حقيقي له ولا انتشار.
أتيح لي متابعة بعض من المبادرات الشبابية في مجال الفن منها ملتقى مجموعة ربيع الفن، والذي تم بجهود ليست بالسهلة من الفنانة التشكيلية الشابة “ولاء حياصات ” وضم مشاركات لما يزيد عن 70 فنانا عربيا من أطار عربية عدة، وبعض النظر عن بعض من الملاحظات التي ابديتها على هذه التظاهرة والفوضى التي ظهرت ببعض جوانبها، إلا أنها كتجربة شبابية كانت تجربة متميزة، وبعيدا عن الملاحظات كانت مهرجانا فنيا يستحق الاهتمام وأن يكون متجددا بشكل أفضل مما حصل.
في الفترة الأخيرة قامت مجموعة تطلق على نفسها اسم ( (CONTRASTللفنون التشكيلية، وتعرف على نفسها بأنها: “مجموعة من الفنانات والفنانيين التشكيليين إجتمعوا على حب الفن الراقي والهادف .. فكان هدفهم الوحيد الإنتماء الحقيقي للريشة واللون، إجتمعوا كي يتفقوا أن يكونوا عصبة واحدة من اجل كسب الخبرات من كل فنان حقيقي أصيل يحمل رسالة إنسانية وجمالية”، بالدعوة والترتيب لمعرض تشكيلي للشباب بالتعاون مع اللجنة الثقافية في جمعية كفر قدوم الخيرية في عمَّان، هذا المعرض الذي ضم أعمال فنية لحوالي 30 فنانا وفنانة شباب ليوم واحد، وقد حظي المعرض على حضور جميل رغم أن المعرض تأخر يومين لظرف طارئ بالجمعية.
الملاحظ في هذا المعرض تنوع الأعمال المعروضة بين لوحات تدل على قدرات فنية رائعة ومتميزة لدى بعض الفنانين، وبين لوحات بمستويات مختلفة أخرى للمشاركين، بين مستويات ما زالت في البدايات وتحتاج الى أن يتعب اصحابها على أنفسهم كثيرا، ومستويات تترواح بين المتوسطة والجيدة، وقد لفت نظري العديد من اللوحات التي شدت انتباهي وجعلتني أقف متأملا بتمعن فيها، حتى أن هناك لوحات شدتني بقوة وجعلتني اسأل عن أصحابها، ومنها لوحة متميزة للفنان الشاب محمد تركي ولوحة للفنانة الشابة ميساء عبد الله، وسعدت بالتعرف عليهم لأول مرة، وشددت على اياديهم مشجعا ومتمنيا أن أحضر معارض شخصية لهم، كما تمتعت بالتجوال في لوحة متميزة للفنانة الشابة داليا أبو هنطش ولوحات للفنانة الشابة نهلة آسيا، وهن فنانات سبق أن حضرت لهن معارض شخصية وكتبت قراءات نقدية مفصلة عن معارضهن ورمزية لوحاتهن، كما لفتت نظري العديد من اللوحات بها تميز وابداع تخص الفنانين الشباب محمد القدومي وصباح السيوف وردينة آسيا ومحمود بوليس وولاء حياصات وغيرهم ممن لم تسعفني الذاكرة بحفظ الأسماء.
نهاية استطيع القول أن هذه المعارض تجربة جميلة تمنح الجيل الشاب من الفنانين الفرصة لعرض أعمالهم أمام الجمهور والاستماع للملاحظات، وهذا ما سيفيد تجربتهم ويجعلهم اكثر اهتماما بأعمالهم، فالفنان الحقيقي لا يصل بدون تراكم التجارب، وطريق الفن التشكيلي ليس بالطريق السهل، فهو طريق حافل بالمعيقات والأشواك، ويحتاج الى مسيرة ليست بالسهلة حتى يصبح للفنان بصمته الخاصة التي تُعرف عليه حتى لو لم يضع توقيعه على لوحاته، وإن كنت أحلق أكثر مع المعارض الشخصية فهي تروي لي حكاية وتهمس بها وتدفعني دفعا لأكتب عنها قراءات نقدية متخصصة، إلا أن هذه التجارب الشابة تعطيني قراءات اولية واستشراف مستقبلي لفنانين في أول الطريق، ان تعبوا على أنفسهم وحلقت أرواحهم قبل ريشتهم، فإنهم نواة لفنانين سيعتلون صرح الفن التشكيلي في بلدانهم مستقبلا.