“حكاية الثور والتيس والحمار الجبان“*
1
يقال والعهدة على الراوي إن ملك الغابة لزم وكره مرغما، لمرض ألم به وألزمه الفراش لأيام طوال.. لم يستطع خلالها الخروج للصيد، أو تدبر أمر رعيته .. حتى انه ضعف واشتد به المرض وشارف على الهلاك.. نصحه الأطباء بضرورة السفر إلى غابة بعيدة، ليعرض نفسه على طبيب مختص.. وحذروه من أنه سوف يلاقي حتفه لا محالة، إذا لم يسارع بالذهاب إليه قبل فوات الأوان.
فكر الأسد في ذات نفسه وقال: أمران أحلاهما مر.. التنازل عن العرش أو الموت المحقق.. تلك الليلة لم ينم الملك جيدا.. ظل حتى الصباح يفكر بمن يعهد إليه بمهمة خلافته حتى يعود من رحلة العلاج.. وعند الفجر خطر له أن يولي صديقه المقرب، مقاليد الأمور في مملكته، لسببين لا غير.. أولهما.. لأنه يثق فيه وفي صداقته.. وثانيهما وهو الأهم من ذلك كله، عدم خوفه منه إذا تنكر لكل ذلك، وقلب له ظهر المجن.
2
في الصباح بعث الملك إلى صديقه “ التيس“ فحضر مسرعا، وبلا مقدمات قال له الأسد: أتحفظ العهد والصداقة التي تربطنا يا صديقي التيس.. ؟
ـ نعم سيدي الملك.
قال التيس
ـ لقد وقع اختياري عليك، لتخلفني في الملك إلى أن أعود من رحلة العلاج سالما بإذن الله.
ـ وقع اختيارك علي.. علي أنا.. لماذا أنا بالذات يا جلالة الملك. قال التيس مستغربا..!!!
ـ نعم أنت.. لأنك صديق الملك الأول.. ومحل ثقته.
شكره التيس على ثقته به، وحسن رعايته لحق الصداقة، وطأطأ برأسه خجلا.. وهزه لمرات ومرات فرحا بمنصبه الجديد، قبل أن يرفعه وهو يقول:
ـ ولكن بشرط..!!!
ـ ما هو هذا الشرط يا خليفة الملك .. ؟
قال الأسد
ـ هو أن أحكم بما أراه أنا، وبما تمليه علي المواقف والأحداث.
ـ قبلنا شرطك.. المهم لدينا أن تقسم لنا، وتعاهدنا على أن تحافظ، على مملكتنا وممتلكاتنا حتى عودتي.
أقسم له التيس بأغلظ الأيمان، وعاهده على ذلك.. وما إن أتم التيس قسمه حتى أصدر الملك الفرمان التالي:
“أيها الشعب الكريم، نعلن نحن ملك الغابة، بتولية التيس خليفة لنا، ليدير شؤون رعيتنا ويحفظ المملكة في غيابنا، فعليكم بالسمع له والطاعة، ومن يخالفه في أمر يطلبه فقد خالفني أنا بالذات، وسأنتقم منه عند عودتي”
التوقيع: ملك الغابة
ذهب الملك لمقابلة الطبيب المختص، وتولى التيس شؤون المملكة.. تذمرت الحيوانات من أمر تولية التيس، وتجادلت في ذلك كثيرا.
قال الثور عدو التيس الأول والقديم:
ـ ألم يجد الملك سوى هذا التيس الوصولي ليقلده أمور مملكتنا.
3
تناقل المخبرون ما قاله الثور.. فاستدعاه في الحال، فاقر بما قاله فأودعه السجن، حتى يحكم فيه بما يراه مناسبا.. لم ينس التيس عداوته القديمة للثور.
لم ينس أنه وفي صغره، كان قد شاهد هذا الثور يطرح زعيم الماعز أرضا، ويدوسه بقدمه، ويهرسه بكل قوته.. الأمر الذي تسبب في وفاته بعد ذلك بأيام قلائل.. كان كأي فرد في قطيع الماعز، يحقد على ذلك الثور، ويمني نفسه بالانتقام منه، متى ما وجد إلى ذلك سبيلا.
عرض الأمر على أخواله وأعمامه وبني عشيرته، ممن يتطلعون مثله إلى الانتقام لزعيمهم .. فتشاوروا في الأمر كثيرا، في محاولة منهم لإيجاد ذريعة ما، تمكنهم من الثور.
قال أحدهم: ألم تلاحظ يا خليفة الملك بأن هذا الثور مشوه الخلقة.
ـ مشوه الخلقة.. قال التيس باستغراب.. !!
ـ ألم تلاحظ أنه وبخلاف بقية البقر ذوات الحافرين له ثلاثة حوافر.
ـ ثلاثة حوافر… أمتأكد أنت مما تقول.
ـ نعم بكل تأكيد، وتستطيع أن تذهب إليه في السجن لترى ذلك بأم عينك.
ـ أخشى أن يهدد هذا التشوه الخلقي، سلامة عجول الغد.. قال آخر.
ـ لا شك أنه خطر كبير، سيهدد لا محالة سلالة عجولنا، إن لم تبادر يا خليفة الملك، باتخاذ ما يلزم.
قال آخر
ـ اتخاذ ما يلزم .. ماذا تعني.. ؟
قال له الخليفة مستوضحا
ـ أرى ضرورة القضاء على هذا الثور المشوه اليوم قبل غد.. كي نحمي سلالة عجولنا، من الضعف والمرض والهزال.
ـ نعم صدقت قال خلفية الملك، وغادر الاجتماع في الحال.
4
في اليوم التالي.. أصدر خليفة الملك أمرا ملكيا، يقضي بقتل كل حيوان مشوه، خلق بأكثر من حافرين.. وكلف مجموعة من زبانيته المقربين لفحص كل حيوانات الغابة، على أن ينفذ أمره فورا، وبلا تردد أو شفقة، فيمن يكتشف إصابته بهذا التشوه الخلقي الخطير.
استقبلت أغلب حيوانات الغابة هذا القرار الملكي بالرضي والقبول وبعدم الاكتراث أيضا، لأنها بطبيعتها خلقت في الغالب بحافر أو حافرين.
لكن الغريب في الأمر، أن الحمار – الذي لم يكن معنيا بهذا القرار – كان قد حزن حزنا شديدا، وضاقت عليه الغابة بما رحبت.. وشوهد – وهو في حالة يرثى لها من الهم والحزن – يحزم أمتعته وبأخذ زوجته وصغاره، ويغادر الغابة على عجل.
ـ إلى أين.
قال له أحدهم
ـ إلى غابة أخرى.
ـ غابة أخرى، وكأنك معني بهذا القرار.
ـ أخشى أن يكون ذريعة لتصفية حسابات قديمة.
أجاب الجمار
ـ القرار واضح في نصه يا صديقي الحمار، والجميع يعلم أنكم معشر الحمير من فصيلة الحافر الواحد، والفحص سيؤكد لهم ذلك.
ـ ومن قال لك إنهم سيفحصونني أولا.. أنا متأكد من أن هؤلاء التيوس الأغبياء، الذين لا يفكرون إلا في القتل.. سيقتلونني أولا.
ـ يقتلونك أولا.. !! أتعني قبل أن يفحصوك.
ـ نعــم.. فكيف سأثبت لهم بعد ذلك، أنني من ذوات الحافر الواحد.
ذهب الحمار إلى حيث أراد.. وانتقم التيس لزعيمهم، وقتل الثور في سجنه، قبل أن يسلم أمور المملكة للأسد، الذي رجع إلى أرض الوطن سالما غانما، بعد ذلك بوقت قصــير.