(.. ويا الهى. لماذا وصلت ليبيا الى هذا الدرك من القبح؟)
اْجل. لماذا؟ وهل فعلا وصلت ليبيا الى هذا الحد المزرى من القبح؟ هل بلغت ليبيا المترامية الانحاء طولا وعرضا درجة مريعة من القبح. ليبيا التى وصفها الشعراء والمغنون ذات يوم بالوطن المفدى وبر الزهر والحنه وبلد الطيوب؟ هل ليبيا حقا كانت بر الزهر والحنه.. وترابها من تراب الجنة؟ كما تقول الاغنية القديمة. انها كذلك تماما.. قبيحة ودميمة!!
لم يعتقد احدا على مدى اعوام ماضيات ان تنهض مثل هذه الاسئلة وغيرها عن قبح ليبيا بمثل هذه الشراسة والقبح ايضا. بعد ضياع حلم ظل فى بال الليبيين ردحا طويلا من الزمن ثم انقلب وصار كابوسا كريها لايطاق. جثامه طوال الليل.
فى هذه الفترة اْينما تجولت ومشيت فى بر الزهر والحنه كما كان يقال.. اْينما تحركت فى الجهات الاربعة.. عكس الريح او مقابلها.. فى كل وقت.. فى النهار والمساء.. تجد القبح الليبى فى اْبشع صوره وملامحه يلاقيك ويصافحك ويشوهك ثم يغمزك بنصف عين ويشير لك باْصبعه الوسطى!
لم يعد فى ليبيا – وطننا – للذوق معنى او للجمال او للقيم او للبهجة والسرور. القبح الليبى يصادفك مباشرة على يمينك وعلى يسارك. يسير معك فى خطواتك. تتوقف من التعب ولا يتوقف او يتعب. ويعقرك اثناء السير ويصيبك بالدوار. تشمه بدل الزهر والحنه. القبح يا اْيها المواطن فى ليبيا وطننا الحالم بالجمال يضرب بقسوه تحت الحزام مخالفا قوانين الرياضة والادب. انت قبيح اذن انت موجود!!
تجد القبح منذ الصباح من اول نظرة مثل الحب مع الاختلاف بالطبع.. فى السياسة.. فى الحكايات.. فى مقر العمل.. فى مجلس النواب.. فى المؤتمر.. فى الحكومتين الرشيدتين.. فى التصريحات.. فى اللقاءات.. فى الاحزاب.. فى لجنة الدستور.. فى اسطوانات الغاز.. فى محطات الوقود.. فى الشارع والمحلات.. وتحت اعمدة الكهرباء المنطفئة ابدا.. وفى الادارة الليبية الفاشلة التى تجيد عن جدارة فن القبح وتعجز عن ادارة الازمات وايجاد الحلول المطلوبة. الادارة الليبية القبيحة المتخلفة التى تدير الامور وتداول الشؤون بمنطق القبيلة والتعصب والجهوية والانانية.. منطق التخلف ولعب العيال والحلف بالطلاق.
الادارة الليبية قبيحة جدا.. رغم فبراير ومجلس النواب والمؤتمر والحكومتين والمصرفين.. ولجنة الدستور. مثلها مثل السياسة الليبية والمشكلة الليبية والمسؤولين الليبيين الذين لا مسؤولية لهم والمشغولين بلا شى مثل ام العروس ليلة زفاف ابنتها.. مثل كل شى قبيح على مد النظر. الادارة الليبية البائسة التى تقهر المواطن وتقطع نياط قلبه. المواطن الحالم بالجمال كل يوم.. وتدعه يموت كمدا من القبح بعد ان مات الف مرة منذ الصباح من صور المسؤولين والنواب ومرتزقة الثورات وساكنى الفنادق واصحاب الحظوظ والمهام وكل شىْ لذيذ.
قبح على مد العين هنا وهناك.. ووراء وقدام.. وفوق وتحت.. ياليبيا. الاحزاب قبيحة. والسلوك قبيح. واللباس قبيح. والكلام قبيح. والشعر قبيح. والنثر قبيح. والفضائيات الليبية اكثر قبحا ودمامة. والوطن اضحى اكثر سوادا تبعا لهذا القبح المتاْصل فى النفوس والضمائر.
فلماذا سقطت ليبيا بر الزهر والحنه بسهولة فى قعر مظلم من القبح والنتانة. لماذا يحدث لها ذلك بفعل بعض الوجوه القبيحة من ابنائها والمتكالبين عليها من اجل مصالحهم وحاجتهم. لماذا يحدث القبح وليبيا امكانياتها كثيرة.. وكفاءاتها الجميلة مبعدة. لماذا يجوس القبح خلال الديار الليبية ويحتل مثل المليشيات والعصابات العقل الليبى والشارع الليبى والانسان الليبى ويتصدر الحياة اليومية. لماذا تصبح الحياة فى ليبيا قبيحة. لماذا يتجدد خلالها القبح ولا ينتهى. لماذا يكتب على جبين انسانها الحالم بالجمال.. القبح ولاشىْ سواه.. لماذا تتنفس ليبيا والليبيون قبحا منذ الصبح الباكر؟!
لماذا يبكى الليبيون وحدهم من القبح فى الحياة ويؤكدون بذلك حكمة كامو.. قد يبكى الرجال من القبح فى الحياة. لماذا يتمدد القبح ويتسع وينتشر مثل السرطان ويضيق الوطن الليبى بالجمال والذوق والبهجة واللطف.
البعض يقتل البعض الاخر. البعض يترصد للاخر. البعض يشمت فى الاخر. البعض يكيد للاخر. البعض تهمه مصلحته والبعض تهمه مصالح شلته وقبيلته. البعض يدخن ارقيلته التى تعلمها مؤخرا ويحلف ويترك بلاده تغوص فى القبح؟
لماذا لاتوجد مبادرة شجاعة وجميلة لتبديل هذه الصورة. لماذا نفتقد للخطوة الصحيحة نحو الاتجاه الصحيح. لماذا نتخبط ونعجز عن المواجهة ونحل المشكلة. لماذا لايشبع الليبيون من هذا القبح. لماذا نشوه ليبيا كل لحظة ونجعلها اكثر قبحاعلى الدوام بهذه التصرفات والاخطاء لماذا وحدنا نحتفى بالقبح دون شعوب الارض ونقيم له عيدا ونصبا تذكارية ونتغزل فى قوامه بالقصائد بكل انواع القوافى.
لماذا يظل المسؤول الليبى قبيحا. والبيت الليبى والشارع والحى الليبى والمؤسسة التعليمية والمنهج الدراسى والصحافة الليبية (!) والمتجر والمخبز ومحطة الوقود والطريق العام الملىْ بالمطبات القبيحة. لماذا يظل الشجر والنخل والحمام قبيحا والحكومتين ومجلس النواب والمؤتمر والسلوك والادارة. لماذا تظل الميادين والشوارع والشواطى والجبال والتلال عامرة بمكبات القمامة والرائحة النتنه والكلاب الضالة والمياه السوداء. لماذا يزداد السلوك الردىْ. لماذا يهرب الجمال والذوق من الليبين. لماذا يفر من ليبيا. لماذا يصر الليبيون كبارهم وصغارهم على القبح فى حياتهم اليومية ويتخذونه نديما يطربهم فى سهراتهم وسهرياتهم وحكاياتهم وحروبهم وفى جلسات افطارهم ومع فناجين قهوتهم ومكاتب اشغالهم ورنات نقالتهم وتفاهة سياساتهم واكاذيب مسؤوليهم. لماذا الاصرار على القبح.. وعلى الوجوه القبيحة؟
لقد شبعت ليبيا من القبح لكن الواضح ان بعض مواطنيها لم يشبع منه. لم يشبع من سوء الاخلاق والفساد والحرب والرشوة والمحسوبية والواسطة وترهيب الغير والقبلية وانعدام الضمير. شبعت ليبيا حقا من القبح وماتت. ولم يشبع المواطن القبيح من القبح. لم يعرف حتى الان انه رذيلة وانه كفرا بنعمة الله وجمال الله العظيم فى الوجود والكون والحياة والتعامل والعبادة وانه اولى الخطوات القاتلة نحو المزيد من المصائب.
هل اختفى الجمال من ليبيا؟ هل صارت ليبيا قبيحة جدا الى هذا الحد هل اختفى وساد القبح اللعين وزاد فى النقاش والقنوات المسعورة القبيحة صباحا ومساء ولد المحللين المتخلفين وفى الاغانى والاناشيد وفى البرامج.. وحتى فى شكل العلم ورفعه على السارية. اصبح مثل (سروال النساء العربى) المتهريْ والبالى. صار مضحكة ولم يعد علما بهذا الشكل. امتد اليه القبح. واْسىْ اليه!!
لماذا سيود القبح فى البيئة وفى الثقافة التى نرى خلالها البؤس والضحاله والكراهية والاكاذيب وكل الامراض القبيحة. ثقافة ميتة ومشوهة وغير جميلة. لا تنهض بمسؤولية الجمال وتنميته والتحسيس به وتغيير سلوك المواطن من خلاله. لماذا لا تتطهر النخب القبيحة من القبح. لماذا يسود القبح ايضا لدى الجيل الذى تعلق عليه.. ليبيا الامل. جيل التمتيع بالسيارات واللباس الكريه الجيل الحالم بالدولار واليورو. الجيل الذى لايعرف حدود ليبيا وتاريخ ليبيا ورجال ليبيا الشرفاء ولايهمه جمال ليبيا. ولايعرف حتى اسرته او جيرانه او اصدقائه الا من خلال اْلوان عرباتهم وطرازها فقط. جيل ينام على قبح ويستيقظ على قبح. فمن اْين يجيئه الجمال والذوق والادارك. جيل اْغروه بالفلوس والاسلحة والفساد ولاشىْ اخر.
هل صار الاقتتال جكالا والادخنه السوداء والطوابير امام المحطات والمخابز والحقد والتباهى بالسلاح والمناظر المؤذيه وانعدام الوطنية. هل صارت كلها جمالا فى القاموس الليبى.
ان القبح الليبى ظاهرة – طارئة او قديمة – تحتاج الى دراسة.. الى حلول. لكن كل حكومة وكل نائب وكل استاذ وكل محلل وكل مذيعة مشغولون بالنضال والكذب طوال النهار. فكيف تاْتى الحلول من هؤلاء وغيرهم؟
لقد تجاوز القبح الليبى مداه فى كل شىْ. غرقت ليبيا الى اذنيها فى القبح والمهازل. لاتجدى معها الدعوات والاحجبة والتعاويذ وتصريحات المسؤولين والنواب الطافحة بالكذب من الذين جعلوا ليبيا مستنقعا يمتلىْ بالقبح والعفن ونقلوها الى الاسوء.. الى الموت… فمتى تموتون من القبح؟!
___________________
نشر بموقع ليبيا المستقبل