آمال عواد رضوان
أقام نادي حيفا الثقافيّ والمجلسُ المِلّيُّ الأرثوذكسيُّ الوطنيُّ–حيفا، الأمسيةَ الشّعريّةَ الأولى من سوق عكاظ الحيفاويّ، وسط حضورٍ مِن الأدباءِ والمُهتمّينَ بالشعر، بتاريخ 30-7-2017، في قاعةِ كنيسة مار يوحنا المعمدان الأرثوذكسيّة شارع الفرس 3 حيفا، حيث استضافَ كلًّا مِن: سوسن غطاس، وفاء فضل، إميل توما، وهلال الهندي، وقد تخلّلَت الأمسيةَ الشّعريّةَ مقطوعاتٌ موسيقيّة، مع عازفِ العود الفنان رمسيس قسيس، وتولّى عرافةَ الأمسيةِ المحامي حسن عبادي، بعدما رحّب المحامي فؤاد نقّارة رئيس نادي حيفا الثقافي بالحضور وبالمشاركين، وفي نهايةِ اللّقاءِ بارَكَ شيخُنا الأديبُ حنّا أبو حنّا هذا البرنامجَ الشّعريَّ، ووجّهَ بعضَ الملاحظاتِ البنّاءةِ، من أجلِ استمراريّةٍ مُجديةٍ ومُشرّفةٍ، ثمّ تمّ التقاطُ الصّورِ التّذكاريّة!
كلمة العريف حسن عبادي: باسمي وباسم نادي حيفا الثقافيّ والمجلس المِلّيِّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ في حيفا نرحّبُ بكم، وأهلًا وسهلًا للمشاركة في هذه الأمسية الشعريّةِ، فالنادي الثقافيّ تأسّسَ قبلَ ما يزيدُ عن أربعةِ أعوام، بتركيزِ زميلي وأخي المحامي فؤاد نقارة. *في المرحلةِ الأولى بدأنا بقراءةِ كتابٍ شهريّ، (وحتّى اليوم بلغنا ما يقارب الخمسين كتابًا، بعرافةِ الأديب الأستاذ فتحي فوراني).
*وفي المرحلةِ الثانية قمنا بعقدِ ندواتٍ لتوقيع كتاب، مع أديب وكتاب وتوقيع الأديب عليه، (وبلغنا حتى اليوم ما يزيد على المائة أمسية ثقافية).*
أما في المرحلة الثالثةِ التي نحن بصددها فهي منبرُ الشّعر، ألا وهو سوق عكاظ الحيفاويّ. (تاريخيًّا؛ اشتهرَ سوقُ عكاظ كأهمّ أسواق العرب وأشهرها، وكانت القبائلُ تجتمعُ في هذا السّوق شهرًا من كلّ سنة، يَتناشدون الشّعرَ، ويُفاخِرُ بعضُهم بعضًا، وقد أوردَ الخليلُ بنُ أحمد أنّ كلمة عكاظ في اللّغةِ قوله: (وسُمّي به لأنّ العربَ كانت تجتمعُ فيهِ كلَّ سنة، فيَعكِظُ بعضُهم بعضًا بالمُفاخرةِ والتّناشُد: أي يُدعَكُ ويُعرَكُ، وفلان يَعكِظُ خصمَهُ بالخصومة: يَمعكُهُ)، ومِن أبرز شعرائِهِ امرؤُ القيس، وعمر بن أبي ربيعة، والخنساء وزهير بن أبي سلمى.
نحن اليوم نعلن عن إقامة منبر شعريّ ومنصة لشعرائنا، مَن أصدرَ ديوانًا ومن لم يُصدر، فالبرنامجُ مفتوح لكلّ الناس ولكلّ الأجيال، معَ الحفاظِ على البوصلة؛ ألا وهي الانتماء، بحيث يَتوجّبُ أن تكونَ الهُويّةُ واضحةً، دونَ رقابةٍ وقيودٍ ولايكات، حيث أنّنا لسنا بصددِ مُسابقاتٍ وجوائزَ، لسنا ستار أكاديمي، أو سوبر ستار، أو إكس فاكتور.
لمحة عن سوسن غطاس: كانت عضوًا فعّالًا في جوقة يعاد للغناء مدة 18 عاما، ومسؤولةً عن القسم الأدبيّ مِن العروض، ككلمةِ الافتتاح، وإلقاء فقراتٍ شعريّة بين الأغاني، وبَعد توقُّفِها عن العمل في الفرقةِ لأسباب خارجةٍ عن إرادتها وإرادة المسؤولين، شعرَت بفراغ كبيرٍ وعزلةٍ ذاتيّةٍ في مساحات الروح، وبدأت تعي الطاقةَ الكامنة والغيابَ الفنّيّ في داخلها، وحاجتها بأن تُعبّر عن ذاتِها وعن مشاعرها فبدأت بالكتابة، وأصدرت ديوانَها الأوّلَ وعنوانه “على متاهات الدنى”، وفي عام 2012 أصدرت ديوانها الثاني بعنوان “فوضى الذات” . سوسن مويس غطاس مواليد 1960 في قرية الرامة الجليليّة، (وقد وعدتُها في محادثتنا الهاتفيّة، أن لا أقدّمَها كأخت أخي وحبيبي كميل مويس، أو كزوجة عضو البرلمان باسل غطاس، وها أنا أفي بوعدي) وتقول سوسن: ما يدفعني للكتابة، هو كلّ المَشاهدِ اليوميّة، والحالاتِ الكثيرة التي أتعرّضُ لها في الحياة، والتي تثيرُ في داخلي أحاسيسَ مُختلفة من حزن، وفرح، وحبّ، وغضب، واستغلال، وانتهازيّة، وظلم وكلّ المشاعر الأخرى، والوطنُ بالنسبة لي هو الحُلم والبحثُ والذاكرة، هو القريب البعيد، هو الصّليبُ والمَصلوبُ والمسْلوبُ، هو السّرابُ والصّحراء.
وجع المدينة/ سوسن غطاس: كانتْ ملجأً للغجَرِ الهاربين/ مِن وجع العشب الذابل على مَرقد الهزيمة/ وكنا في مينائها لاجئين على أكفّ الباعةِ المُتجوّلين/ وجادلي زينة شعر العرائس/ والمرجان المتحجر على الشواطئ/ أتَذْكر/ يوم اعتدنا إيقاعَ الهدير وروّضناه؟/ واليومَ/ مُدَّ يديك للبحر/ وانثرْ رمادَ الانتهاء على الموج الرابضِ بين حبّاته/ مسافة تصغر بين السماء والوجع/ تكبر المَراكبُ ويصغر المدى/ تسلّقْ على جراحنا/ تكَبَّرْ على موت الكرامة في هاماتٍ تصغر حدّ التلاشي/ مُدَّ يديك للبحر/ قلْ له أن يكون الربّان والمرسى/ الهزائمُ مِن ورائنا وأمامنا/ ثمّ ماذا بعد؟/ اِركب موجَكَ أينما تأخذك الريح/ تعرّى في وجهِ الشمس/ حتى يطفو عسَلٌ على وجه الماء/ وخبزٌ على زبد الموج/ ووردٌ على جباه عرائس البحر/ ما عاد مُتّسعٌ للنّدى في الأرض/ شاخت القطرةُ وجفّت الخيام/ اِركَبِ الماء/ وخذ نفسًا مِن حسك السمك/ سمك يموت في حوضه/ لا منفذ لماء ولا هواء/ مات النخيل في صحرائه/ هجّت النوارس نحو البعيد/ ثم ماذا بعد؟/ اُنثُرْ رمادَ الانتهاء من المراكب/ مات الحبُّ في قصص الأنبياء/ وانتهى عهدُ العدل في لعبة المدّ والجزر/ لا العاصفة تُبشّرُ بالرّكود/ والغجر يهربون من وجع العشب/ الذابل في مرقد الهزيمة/ مُدّ يديك للبحر/ ليكون الربّانُ والمرسى.
سدرة المنتهى/ سوسن غطاس: في صحرائك كنتُ أفعى تخلعُ جلدَها/ في احتضارٍ أو تَجدُّدٍ/ صحراؤك حين انفلتت مِن رملِها/ وتقلّبتْ على ظهْرِها/ تحاولُ رسْمَ جسدِك هباءً/ لا وجوهٌ للصّحارى/ رأيتك تدخل في سرابك/ وتخرج رأسًا بلا جسد/ تبحثُ عن ظِلّك/ وتُبحرُ في عُمق الرّمال/ لتولدَ من بقاياك/ تستهويكَ شهوة/ تتجرّعُ الآسيار/ تمزّق الفيافي إرَبًا/ تداخل بين جلدها ونحرك/ تحجبُ عنك الهواء/ ترتديها وتصير روحك/ توحّد لحدود الجنون/ تهلع العرافة من طالع الأساطير/ يستحيلُ الرّملُ بحرًا/ تُبحران في هيجانِ الموج/ في سفنٍ بلا أشرعة/ مفتوحة للسماء/ الرّمالُ تبقى رهينةَ البحر/ وجلود الأفاعي/ المنفلتة من حيّزها/ سريالي حيّز المكان/ رمل وماء وأثير/ وولوج إلى/ سدرة المنتهى.
جدتي بين الأسود والزيتيّ/ سوسن غطّاس: جدّتي كانت امرأةَ النخيل/ أتفيّأ بروحها من رعدِ الغموض/ صمتُها كان الكلام/ لمنديلها هدهدةُ أحلامي/ وحكايا بنت السلطان/ والإنس والجان/ سريرُها بات مهدي الأبدي/ علّمني كيف يصيرُ النومُ/ بعيدًا عن حوافي الموت/ آمِنْ/ تعمَّدتُ بدفء يديها/ في مواسم هجرات الحساسين/ إلى مواطن السُمَّن/ في ثوبها نكهة ُالزيتون والفيجن/ في يوم تراكم فضولي سألتها/ “خبريني يا ستي/ لماذا ثوبك دائمًا أسود/ سأحضر لك الزيتي”.
رمقتني بحزنٍ ثم قالت:/ “لا يا ستي/ ليرجع عمك”/ سألتها بغرابة:/ “مين عمي/ أنا لي عم؟”/ “عمُّك وراء حدود المكان”/ لم أفهم ما قالته/ كنتُ في عاميَ السادس/ شعرتُ بدموعها/ تنسالُ على وجنتي/ حين انحنيت لتقبيلها كعادتي/ أدركت بأنّ الأمرَ جلل/ في اكتمال عقدي الأوّل/ أذكر بردَه جيّدًا/ كان يومَ عطلتي المدرسيّة/ كنت أتسكّعُ في حلمي الصباحيّ/ باستسلام النسيم للفراغ/ بين حلمٍ ولا حلم/ فتحتُ عينيّ/ جدّتي جالسةٌ في سريرها/ والزيتيّ تماوجَ من رأسها/ بدت لي انتفاضة عمر/ من قمقم الحرمان/ هرولت مسرعةً/ والفرحةُ في ضلوعي/ “ستي لبست الزيتي/ ستّي لبست الزيتي”/ في ذلك المساء/ كان في بيتنا عرسٌ/ أقاربُ يتزاحمون/ وموائدُ تفتح/ بيتنا في حالة استثناء/ أتوه بين العيونِ/ أراقب الدموعَ/ ويرهقني اختلاطُ الدموعِ والفرح/ زارنا فرحُ الزيتي/ تلفعت عينا جدّتي/ بعبق الأمومة الشغوفة/ زغردت مثلما يعانقُ/ الصوتُ حنينَ الانتظار/ بكت وعانقت ثمّ نامت/ على تفتُّق الجراح/ وأنا أركض وأدور/ بين غربتي واغترابي وذهولي/ كلمح البصر/ لم أدرِ كم من أيامٍ مرَّت/ انتهتْ فسحةُ عودةِ الحياةِ لروحها/ حان موعدُ انكماشنا في حفنات اللوعة/ جدّتي وأنا/ رائحته لا زالت تعبق بصهاريجِ طفولتي/ نعم هذا عمّي/ أنا لي عمٌّ/ سيعود حيث/ رماه التشرّدُ خلفَ حيّزنا/ حين صار اللّجوءُ صليبًا وعلقمًا/ جدّتي ظلّت امرأة النخيل/ سنوات مرّت/ حلَّق نسرٌ فوق دارنا/ رفرف بجناحين/ حطّ رسالةً أخيرةً/ من وراء الحدود/ فيها صورةٌ/ لفّها شريطٌ أسود/ وعادت جدّتي/ للونها الأسود/ وصارت أيقونةَ شعبٍ/ تموت في أكباده الأحلامُ/ واليومَ أنا وابنتي/ في انتظار عناق أنوية البلح/ وأحلام امرأة النخيل/ وتفتح الألوان في شباكها القديم.
لون البلد/ سوسن غطاس: لا أحمر يشفيك/ من وجع الذلّ/ لا أصفر يردّ/ عنك مهانة الموت/ لا أخضر يتنفس من ربيع عمرك/ لا برتقالي يسقيك/ عصير البلاد/ قم من لونك/ لتعود إلى انحناء/ العلم في ملامح وجهك/ قم إلى مجدك/ بانتزاع وجودك/ من مخالب قيصر/ كي تكون أنت/ تسامى ترفع اغفر/ تسامح وتسامح وتوحّد/ هي وأنت وكلنا/ لمصير الأحرار نصبو/ لطريق الكرامة نبحر/ على هذه الأرض/ زنابق تتفتح/ كلّ صباح/ فوق تراب مشى/ عليه أجدادك/ وكلّ الأنبياء/ فلا تساوم ولا تساوم/ على إرادة شعبك/ قال كلامه كله/ واختار خارطة العلم.
كلمة العريف حسن عبادي عن إميل توما: من مواليد 1991، رامويّ الأصل ومقيم في حيفا، وهذه المرّة الأولى التي يقف أمام جمهور. يقولُ: بين أحضان الموسيقا/ وبين أحضان المجتمع/ وبين الفراق واللقاء/ في المجتمع وبين الأهل/ ركز على انعكاس أفكاره حول قلمه/ واستنتج وأنتج على ورق/ ألما وفرحا واطمئنانا ذاتيًّا/ ومستوى ذات عشوائي ولا مبالي. وُلد إميل في قرية جليلية هو ذاته بعيدًا عنها، لكنها بقربه الباكي الشامخ- رامة الحيدر- وجعلها راية التعريف.
علّموهم/ إميل توما: الإخلاص في العمل.. الإستقرار.. الديمقراطية.. الصدق.. البلد.. العنوان.. المجتمع.. الرأي.. الدين.. المصلحة.. الاحترام.. المودة.. الهدف.. الشعب.. النضال.. المبادئ.. المبادرة.. الوطن.. الهُويّة.. الدولة.. الوجدان.. النخوة.. جميعهم تحت عنوان: “قد خاب أملي”/ علموا أولادكم التمسّك/ بكل شيء تريدونه لهم/ وعلموهم أيضًا/ عدم التقيد بهذه الأشياء/ بين القيد والاختيار/ بين المرغوب والممنوع/ بين يجوز أو لا يجوز/ بين داخلك وخارجك/ بين أشيائك وأشيائهم/ لك شيء!
يتظاهرون/ إميل حبيبي: يتظاهرون في الشوارع لك يا أيها الوطن/ يصرخون/ ويرتدون ملابس ملتزمة لأجلك/ فحتى الفن في بلادنا أصبح لك/ وإنهم يترزقون من خلال أغنية قد صنعت لأجلك/ فما أعظمك/ جميعهم لأجلك، “منك وإليك يا أيّها الوطن الحبيب”/ يتظاهرون/ يتظاهرون/ يتظاهرون/ ويؤسفني بأن أذكرّك/ بأنهم فقط يتظاهرون..
حديثٌ في الاشتياق/ إميل توما: سألها: أتمضين الوقت معي/ أم أنّك تمضين الوقت لأجلي/ قالت له: لا أدري/ فمعك لا أشعر بالوقت أصلا/ من أين رائحتك/ غسلت نفسي وملابسي ثلاث مرات في النهار/ الأولی لأكرهك/ الثانية لأودعك/ الثالثة لأنساك/ فمن أين رائحتك تأتي؟/ أتدرين/ فالموسيقا مثلا.. أنتِ مثلها/ في الموسيقی جسد لا يبالي/ قد أمارس معها كل شيء..
علاجٌ خاصّ في الموسيقا/ إميل توما: نجلسُ لوحدنا/ لأننا نشكو ونندم/ نسعد ونهوى عن طريق الروح/ نستمع لموسيقا أردناها علاج/ نسترخي/ نتأمل ونتصافح مع أنفُسنا/ أين نحن/ أيُعقل بأننا نحتاج لدواء أقوى مِمّا هو مِن حولنا/ نعم.. فنحنُ نحتاج/ فهو الإدمان على علاج الذات/ ومَن منا أراد الشفاء/ لِيُدمن موسيقا قد صُنعت من أجلِ البقاء/ بين الموسيقا والكتابة معادلة تصعب عليَ/ فأنا أكتبُ لأسمعَها/ وأسمعُها لكي أكتب/ وهذه هي المعادلة الصعبة .
بين موتي وحبي/ إميل توما: وإني لو سأوحّد أحد/ لوحّدتك والله سيغفر لي/ وإنّي لو متّ سأراك تبكين عليّ/ في غرفتك المليئة بخطانا/ ولو أنّي إلى التراب سأعود/ فسأعود إليك/ ولو على قبري سيُحفر بأنّي مُتمّمٌ كلّ شيء/ فأنا متمم جميع واجباتي الاشتياقيّة تجاهك/ وماذا بعد/ ستبكين عليّ في غرفتك بثيابك السوداء/ لأنّهم قالوا لك قبل موتي/ بأنّي لست من ثيابكم/ وبعد يومين سوف تصحين من النوم شجاعةً جاهزةً لهدف نسياني/ حبيبتي آسف منك ومن ربي/ لكنّي اشتقت لك ولا أراك/ فأنا أحدّثك في حلمي وألقاك/ وأصحو أعاتبك على اللقاء/ والى اللقاء.
“كوني إنسان”/ إميل توما: لا شيء يُرضيني/ فأنا الإنسانُ/ لا شيءَ يُؤلمُني/ فهناك مصطلحُ النسيان/ ولا شيءَ يُشغلني/ ولا وقتَ لي بأن أُمَثّلَ دوْرَ رجلِ الحنان/ ولكنّي صامت/ وبصمتي هدوئي/ وبهدوئي تعيش ثورة أعصابي/ على الإنسان/ وهكذا/ حيرني نظري/ لم أعُدْ أدري/ بين العشق والرفق/ علاقةٌ تصعبُ عليّ/ بين الروح والقلب/ فراق لم يعدْ يطاق/ بين الحيره والغيرةِ/ مُعادلةٌ لم تُحَلّ/ بين العمل والأمل تناقُضٌ/ يخفي لي الزعلْ/ بين العينِ والعينْ فرقيْن/ عينٌ تَراكُم/ وتَراكم مَن جفا بعينٍ أخرى..
لمحة عن الفنان رمسيس قسّيس: عازف عود، مُلحّن وشاعر غنائيّ من حيفا. ظهرت موهبته الموسيقيّة في السادسة من عمره، فبدأ مشواره في عالم الموسيقا بتعلّم العزف الكلاسيكيّ على آلة البيانو لمدّة أربع سنوات، لينطلق بعد ذلك لدراسة الموسيقي العربيّة بمجهوده الشخصيّ. عام2001 التحق بالأكاديميّة الموسيقيّة في القدس، وأنهى بامتياز اللقب الأوّل في الموسيقا والعزف على العود. إضافة لمشاريعه الموسيقيّة الخاصّة، يعمل رمسيس أستاذًا لآلة العود في كونسرفاتوار بيت الموسيقا في شفاعمرو، وقدّم عدّة تجارب في التلحين المسرحيّ الغنائيّ. أسطوانة دجَل هي باكورة أعماله، وهي دمج لعملين موسيقيّين من تأليفه؛ “ولادة” و”دجل”.
وفاء فوزي فضل: ابنة حيفا، شاعرة وكاتبة من مواليد عام 1984، تنظم قصيدة النثر، وتكتب القصة القصيرة جدًا. معلمة تربية خاصّة، ومديرة مركز تعليمي في المركز الجماهيري في حي الحلّيصة في حيفا، تخصّصت في مجال العلاج بواسطة الحركة والصوت (ريو أبييرتوrio abierto)؛ وعلى عتبة إنهاء عامها الأوّل للقب الثاني في هذا المجال. وعن فلسفتها في الحياة تقول وفاء: “لم يجد المسيح عناوين السلام، لأنه لم يرَ الصورة الثانية لله على الأرض. يبحثون في الكتب تائهين، عن الحقيقة. كلَ مع كتابه المقدس، ولا يعلمون بأننا واحد، بأننا الصورة الثانية لله، لن تهدأ البشرية ولن تفهم أسرارها، إلّا إذا نظر الواحد في وجه الآخر كأنّه هو، تنقصنا المرايا يا أصدقائي.. تنقصنا المرايا”.
لحنٌ فَقَدَ المدى/ وفاء فضل: فمٌ يرتبك/ وأيادٍ ترتجف في/ الريح/ سأرتوي منك عبق سنين لم تكن/ أمسحُ الطقوس من خديك/ أسمحُ للطير ان يهدّ على كتفكَ لينام/ أكشف عن الشجر مساحيق وعود المارّة/ وأعرّي يديكَ من أيادٍ مَسَحَت الطريق/ بَعْدَ أفقٍ، شممْنا أصواتَ ابتعادِهِ/ تطلبُ منّي أن أغنّي بعد/ أدندنُ صوب الشمس لاااا لااااا لا/ ولا أجد ما أقوله أكثر/ عيناكَ موجات غضب/ ينتحر شراعها/ وفي جفني تُغمِضُ/ النهار/ غفوةٌ وصحوة/ وفنجانيْ قهوة وثلاث سجائر ميتة/ هنا.. كما كانا/ دونَ يديْن/ دون الريح/ ودونَ المدى…
كوني أنت/ وفاء فضل: كوني أنت/ كوني وردةً ونجمة سينما/ كوني طرحةَ العُرس وفرحةَ الليالي المؤجّلة/ وانقذي سفينةَ نوح وارفعي وجهكِ الى السما/ كوني خالة النخيل/ وسمّي اسمكِ من جديد/ كوني زهرةً أو سما
وحيدة أنا/ وفاء فضل: كورقة شجر أيلول أولى/ ترقص بين قدميّ/ كنبتةٍ وحيدة/ تخرج من فوهة حائط/ كقلمٍ مكسور/ سقط من يدِ تلميذة مرتجفة/ كحلوى غابت في ذوبان شمس/ كحقلٍ نبتَ فيه النار/ كجفنٍ فقدَ طريق العين/ كجبلٍ لا يلتقي بآخر/ كسمكةٍ في محيط/ كشراعٍ يكتبُ العصيان
كحبٍّ سلّم دفاتر الأسرار/ كذَهبٍ كشف سوء الامتنان/ كسماءٍ حيّرت بالصلوات/ كطفلةٍ باتت شريحة اختبار/ كظلٍّ يمشي الى الوراء/ كنافذة خرجت منها الأحلام/ كضوءٍ أرجع بالصوت وخلفهُ المغيب/ كعازفة لعبت بروح الأوتار/ كنبتة وحيدة تخرج من بين رمال/ ككل شيء/ ككل شيء / وحيدة أنا / ولا تسألوا عن الاحتمال ….
العريف حسن عبادي ولمحة عن هلال ماهر الهندي: قال هلال: “البلاد الني لا تنجب شعراء ينقصها الكثير من الحظ، لكن البلاد التي ترفض الشعراء ينقصها كل شيء”. الشاعر هلال ماهر الهندي، من مواليد سنة 1988، مقدسيّ الأصل ومقيم في حيفا، هر شاعر وفيزيائي، تخرّج في معهد التخنيون سنة2011، بلقب أوّل بشهادة امتياز في موضوعي الرياضيات والفيزياء. وهو يدرّس الموضوع في أكاديمية أورانيم. و”لا شيء يستحق البقاء في الذاكرة”، ديوانه الشعريّ الأوّل عام 2013. وممّا جاء فيه: “أنا لن أمارس دور المفعول به في جملتك لوقت أطول/ ولن أكون نائب الفاعل لفعل مجهول/ اقترفتِه أنت في قلبي منذ ملايين السنوات/ أنا سـأكون الفاعل/ وأنت ستظلين الجملة كما كنت دائمًا/ إعرابك صعب.. واقتباسك مستحيل/ كـأنك آية أو فصل من كتاب سماوي/ ضاع بين الراوي وبين صوته”.
في شهر شباط من هذا العام أصدر ديوانه الشعري الثاني “قد يكون اسمها مريم”، عن دار فضاءات للنشر، وعن نفسه يقول هلال: “أنا تخرجت من مدرسة محمود درويش، ولدرويش بصمة كبرى في أعمالي، أعتز بها”. ومن فضاء مجموعته الشعرية “قد يكون اسمها مريم” ينشد:
ليلة مع غريبة/ هلال هندي: المومس الأخيرة غادرت/ ركبت هودجا عربيا/ لم يحمله جمل/ وحملته/ توبة الورق عن خطايا القلم/ سكبت لها كوبا من الماء/ وقلت: تفضلي/ قالت: ويداك اريدهما/ اعذرني اعاني من هوس الايادي/ قلت: خذيهما وأنا الغريب/ ويداي تحلمان بالاقتراب/ فيتحقق الحلم ويصلان/ اتركي لهما صفة الطائر/ وحرية الموج/ وامتدى على زندي الأيسر/ سهلا يخرج هضبتين/ واتركيني أبدا لعبة الشطرنج/ سامثل الدورين/ مرة حصاني أبيض/ ومرة حصاني أسود/ أربح مرة وأربح مرة/ ولا أنتهي من لعب الشطرنج أبدا
قالت: أحصنتك نائمة تحت ردائي/ ولا تريد أن تستيقظ/ وإن استيقظت فتذكر أنك/ دخلت عرين الأسد/ والأسد غائب/ واللبؤة جائعة/ قلت: سأدخل لأحكم/ أبحث نهديك كمهر يطارد أثداء امه/ هو جائع/ وأنا كما هو/ هو هي أمه/ وأنا أنت لي كل النساء
قالت: لا، ستكسر الإناء/ وسينسكب الإناء/ قلت:/ تمددي أو أمددك أنا/ تحمليني أو أحملك أنا/ عانقيني أو عنقي أقطعه أنا/ فلا رداؤك أقبله/ ولا الرداء يقبلني/ لا تناديني/ واذكري اسمه بقبلة/ وصوتك لا اريده يعلو/ ويعلو صوتي/ من حرارة القبلة/ اثيرك لا لاثير نفسي/ بل لاحميك من أصابع شهوتك/ فاصابعي لم تكن الا لاصابعي/ وجسدك لم يخلقه رب/ لتلمسه اصابع الشهوة/ بل لتلمسه اصابعي/ قالت: لك ما شئت/ هي ليلة مع غريب قلتُ: أريدكِ/ كعطارد/ لا يطيق ملابسه/ صوِّري لي الكواكب/ ودوري/ وارسمي مداراتٍ لا تُغلقيها/ ارسمي مجراتٍ بألوانٍ وردية/ تكره المجرة ألوانَ المحطة/ ……/ ……
لا أريدُ قماشًا لِجسدِ غريبتي/ أمقتهُ/ والأنثى بلا قماشٍ تَكتملْ/ القماش ما ستر امرأة/ أريد رابيتين/ وأريد غابة/ أريد يمَامة مسلوبة النظر/ وأريدُ أن أشعلَ غابة/ لأرى خروجَ نهديكِ كرابِيتين/ فتخرج بلا هديٍ يمامتي الضريرة/ تسافر في دنيا النظرْ/ …./ …/ ..
قالتْ: أريدُ قبلها رقصة/ تذيبُ الحدود بين جسدين/ رقصةً تعيدُ الرمل ذهبًا/ في اللابحر/ رقصة تُهينُ السماء وتُعز الأرض/ نرقص فتتقشر الأرض كتفاحة/ ويذوب الهواء على خطواتنا
قلتْ: حسنًا أيتها الغريبة/ يبدو أني سأنهي رقصتي/ وتكتبني قصيدة/ فرغنا من رقصنا/ وتعبت الأرض من سمائنا/ تخدرت حواسنا/ وتنتصر الغريبة/ هي لم تكتفِ/ ولم تتركني أكتفي/ لكني اكتفيت من كتابة القصيدة
مجندة في القطار تعجبني/ هلال الهندي: مجندة في القطار تعجبني/ بزة الجيش تلبسها وتلبسني/ سلاح يثقل كتفها ويقتلني/ شعرها الاشقر اتعب نهاري واتعبني/ عينان خضراوان نسي الخريف المرور بهما/ اقنطنت/ حزنت/ وقلت:/ اي غسيل لعقل الجمال حل بها/ واية شهوةقتل تلك التي تعيش بها/ واي الاخوين ستقتل مجندتي/ اخي في الضفة/ ام الذي في غزة اخي؟وكم من اخوتي سيظل حيا لديها/ فكيف احبها/ لا.. ساحافظ على انسانيتي
وصل القطار/ وانطفا جمالها/ ولم يبق لمعان السلاح الثقيل/ لاحظت حقيبتها ترهقها/ انسانيتي قال: ساعدها/ فساعدتها/ حملت عن كتفها حقيبتها/ ودماء اخوتي/ رافقتها الى خارج المحطة/ سالتني: لم ساعدتني؟/ اخبرتها اني احببت فيك شيئا غريبا/ ثم وقبل ان يصير لون الاشارة الخضراء أحمرا/ غدرتها/ وغادرتها/ وحيدة مع حقيبتها/ وسلاحها/ وبزة جيشها/ وتركتها على الاشارة الضوئية/ ورحلت الى انسانيتي.
شرقية/ هلال الهندي: اذا أحببتَ شرقية/ لا تخبرها أنكَ تُحبها بعمقْ/ لا تهدها وردةْ/ ستظلمكما/ انها أيام وستذبل الوردة/ لا تقبِلها/ انها قبلات/ وستجف الشفتان/ لا تعانقها/ انها ذراعان/ وَسيمل منكما العناق/ لكن لا ترحلْ/ انها بضع كلماتٍ تكتبها أنتَ لتنتهي/ ولا ينتهي أي شيء/ فلا تكتب شيئًا عن الرحيلْ
انها المرأة الشرقية/ حتى ون انكرتْ/ سيدةُ النكدْ/ سيدةُ القلقْ/ وسيدةُ التعبْ/ وسيدةُ كل شيء/ لكنها لم تكرهكَ بعد/ انْ تخلفتْ وانْ تحضرتْ/ تظلُ سيدة النساء/ وتظلُ سيدة القلب/ حاورها واسمعها طويلًا/ عانقها على الورق أكثرْ/ هي لم تكرهك هناك/ قدم لها كوبًا من/ الحليبِ المصفى مع العسل/ اياكَ وانْ تتجاهلَ اسمها الجديد/ “حبيبتي”/ والا خسرتها/ إذا كانت ليبرالية/ العبْ معها الشطرنج واخسرْ/ ستحبُ ذلك/ اذا كانت شيوعية/ تبرع بقلمك الثمين لطفل فقيرْ/ ستقدرُ لكَ ذلك/ اذا كانت يمينية/ قابلها في مناسبةٍ عامة/ ستقدسُ لكَ ذلك/ اشعر وكأنكَ تحبها لأولِ مرة/ خاطبها بلسان الذاكرة/ اقنعها أنكَ نسيتَ أمرَ الورد/ ونسيت طعمَ الشفتين/ خاطبها بلسان البداية/ اني اكتشفتُ/ بعد خمسة وعشرين عاما في الحبْ/ أن الشرقية تشعر بالنهايات سريعًا/ فتحزن/ اقنعها أن النهايات لا تأتي سريعًا/ وأن النهايات الجميلة ممكنة/ أنتَ لن تغير الكثير/ أنتَ ستزيد من حبها فقط
جاءَ في كلمة الأديب حنّا أبو حنا الختاميّة: نحن اللّيلة في نشاطٍ ثقافيٍّ له ما بَعد، وهو إرساء حجر الزاوية في لقاءاتٍ شعريّةٍ ترتقي، وعندما أعودُ بالذاكرة إلى حالِنا عند النكبة، فقد بحثنا عن كُتّاب وشعراء، إذ كانت النكبة قد حملت معها الشعراء والكُتّاب، والذين بقوا كانوا في بداية عهدِهم الكتابيّ، ولا يَصلون عدد أصابع اليديْن الاثنتيْن، وكان علينا أن نشنّ حملة واسعة، وجَهدنا كثيرًا لبناء عالمٍ ثقافيٍّ من أجل بناء ثقافتنا، لأنّ الهجومَ كانَ علينا من السّلطات، وحزب مبّاي فكان: جريدة حقيقة الأمر الأسبوعيّة، وجريدة اليوم، وجريدة الهدف جريدة ثقافيّة، ودار نشر تصدر كتب مختلفة، وحزب مبّام كان عنده جريدة المرصاد والفجر ودار نشر أيضًا، وكان علينا في ذلك الحين، أن نرى ما الذي أحدثته هذه النكبة بالنسبة للتعليم، فالمُعلّمون الذين كان لهم أن يقولوا كلمة إخلاص للطلاب ولشعبهم فُصلوا، وانتقَوا المعلمين الذين يقولون “أمرك يا سيدي”، وكثيرون منهم كانوا دون الوصول إلى ما قبل الثانوية. ولذلك كان علينا أن نقوم بجهود، ونُقيم مهرجانات شعريّة تجمع كلّ مَن هو مستعدٌّ أن يكتب الشعر، والّشعر في ذلك الحين كانَ مَنظومًا، ولم يكن عدد الشعراء كثيرًا، وكانت مغامرةً إقامةُ مهرجاناتٍ شعريّة، لأنّنا نعلم بأنّ السجن لمن يذهب بدون تصريح، ولكنّ التصريح لم يكن العائق لنا، لأنّنا عَرفنا الطريق إلى السجن، ومَن مِنَ الشّعراء لم يذهبْ إلى السّجن في ذلك الحين؟ لأنّنا تجاوزنا وتحدّينا، وقصائدنا كلّها كانت قصائدَ وطنيّة، وهذه المسيرةُ تقدّمت وتقدّمت، والبراعمُ كان منها شعراء مبدعون، وكانت حركة ثقافيّة جميلة مُدهشة، واليوم نحن بعد سنوات الخمسين مع باقة من القوى الأدبيّة، والتي نتوسّمُ فيها الخيرَ. ولكن عندي بعض الملاحظات أيّها الأحبّة:
كنت أتزعزع عندما أسمع الأخطاء اللغويّة والنحويّة، وأنا أُقدّرُ الطّاقة الشعريّة، لكن لتكن في بهجتها وفي احترامها للشعر. ولهذا أرجو من كلّ واحدٍ، أن يجلس مع أحد إخواننا الذين يُتقنون اللغة العربيّة، ويَضمن تشكيل القصيدة، وأن يَعي لماذا هذا التشكيل والتحريك، ومع الزّمن لا بدّ وأن يكون لنا شعراء مبدعون وبلغة عربية سليمة. فالفكرة والصورة جميلان، ولكن الإناءَ مكسورٌ من هنا ومن هناك، فنحن نريد شعرًا مُتكاملًا. بالطبع كان الكثيرُ من الشعر لهذه الليلة، عدا جنديّة القطار والمتظاهرون المتظاهرون، فأنا أحبّ المتظاهرين، ولا أحبّ المتظاهرين بالتظاهر (المرائين)، ولكن عندما أعود للمقارنة، فيما كان شعرنا آنذاك واليوم، فففي ذلك الحين كنّا نُساهم بالمعركة، وأحيانًا في قيادة الجوّ الحماسيّ الّذي يتحدّى، واليومَ أنا متفائلٌ، لأنّني أرى أزهارًا يانعةً مُبشّرة، ولكن طلبي لكم، أن تكونوا مُبدعين بمعنى الإبداع الفنّيّ، والإبداع في تكريم هذه اللغة الّتي نُحبّها، والتي إذا عرضناها جيّدًا، استطعنا أن نبشّرَ بهذا الإبداع ونطرب له، وتمنّياتي لكم جميعًا وتمنّياتنا لنا، أن نراكم كما تريدون وكما نريد!