عرف الليبيون هذا الكيان المسمى ليبيا بهذا الاسم مع الاحتلال الايطالي ,قبل ذلك كان هذا الكيان مشتتا وغائم الملامح ,كان اقاليما شبه مستقلة منذ العصر الفينيقي واليوناني ..
رغم كل ما قلت , ظلت ليبيا اسما علما مفردا في كتب التاريخ وفي الملاحم القديمة من اوديسا هوميروس الى كتاب هيردوت الرابع او الكتاب الليبي الى الكتب الحديثة كان في الملاحم والكتب القديمة كيانا شبه اسطوري ,تسكنه الجنيات والحوريات وتلد نعاجه الخراف ناضجة بقرونها كما يقول هوميروس في الاوديسا وتتزوج نساؤه رجالا كثيرين ويحارب اهله الريح كما يذكر هيردوت ولايخلو بيت راع ولاملك فيه من الزبدة والجبنة والحليب كما يشير هوميروس مدللا على ثراء هذا الكيان ,ومن الحليب والقشدة والزبدة ,من الجنيات والحوريات ,من محاربة الريح الى محاربة الغزو الاجنبي يتسع هذا الكيان ليصل الى شواطيء الاطلسي , يعبر جنوده المتوسط ويهددون روما , ويظل الحليب والعسل يجري عبر مراعيه وجباله وتظل الجنيات والحوريات يسعين في ارجائه, ويمنح كل ذلك مع خيالات الاخرين له معنى لايعرفه اهله. , يصوغ الاخرون الاوربيون بالتحديد معنى لهذا الكيان ويمنحونه الاسم “ليبيا” , منذ ذلك الزمان وحتى زمن قريب ظل الاوربيون يسموننا ليبيا ولا نسمي انفسنا !!..
كان الفنيقيون واليونانيون والرومان والاسبان وقبلهم بالتاكيد كان المصريون قد منحونا هذا الاسم وحددوا لنا حددوه من جبال اطلس وحتى النيل ,ثم تقلص وتشتت وتلاشى في القرون الوسطى ولم يحاول الاتراك منحنا اياه ليبعثه الطليان في النصف الاول من القرن العشرين بالاسم القديم “ليبيا ” .
كان الايطاليون حالمين كبار حين توجهوا باساطيلهم وصوبوا ماسورات مدافعهم نحوه هاتفين ليبيا الشاطيء الرابع لروما ,كانوا ممتلئين حتى حافهم باساطير وملاحم امجاد روما القديمة وبنهم خرافي للحليب والزبدة والقشدة الليبية ,باشتهاء عارم للجنيات والحوريات السارحات عبر سهول ليبيا الخضراء ,كانت الاسطورة والخرافة القديمة تحي هذا الكيان في مخيلات اولئك الغزاة المخبولين !!
لم يكن بامكان الايطالين ان يحصلوا على ليبيا الاسطورة كما صورها اجدادهم من الاطلسي الى النيل ,بل لم يجدوا منها الا شريطا ساحليا صغيرا وصحراء تمتد وتمتد الى ماشاء الله ,وكاي دون كيشوتين مهووسين هتفوا مهللين لقد نلنا ليبيا واعدنا امجاد روما ومنحونا معنى جديدا لكيان ظل مجردا وهلاميا لقرون عديدة!!
مع الاستقلال وبعد ثلاتين حولا من الجهاد والاستشهاد والمعتقلات والتهجير تبرز مؤشرات حليب نعاجنا الحديث “اعني مزيج برنت النفطي ” البديع لينشط خيال ونهم الاوروبيين من جديد ليعود لنا الكائن بمعنى جديد , و بحدود جديدة وبشكل جديد تضع شركات النفط العملاقة اولوياته ويتشكل وعينا بمعناه من جديد ,لنكون احد الكيانات التي ظلت تنتظر اسمها من قواميس غيرها ,بل وحدودها ,وثرواتها وسحرها وجمالها من خيالات واساطير غيرها !!..
في ليبيا ظل معنى الكيان وعبر عشرات القرون ,نعم عشرات القرون يصوغه الاخر ونتلقفه نحن ,مسحورين بما يمنحون لنا من اسماء وحدود ,نكيف جسدنا حسب طول وعرض سرير “بروكست ” الذي لنا يصنعون , نقطع اطرافنا التي تمتد اطول من السرير الجهنمي ونمططها ان قصرت عن مقاس السرير ..
ليبيا الكيان الاسطوري الفاتن والساحر في الاساطير والكتب وصندوق الرمل والتشرذم وقطع الطريق حين يهجونه ونهجوه معهم , ليبيا كيان ظل يفتش عن معنى لنفسه, لهذا الكيان ,فهل وجده ؟ هل سيجده ؟ ام انه لن يجده الا في ملاحم واساطير الاخرين ؟ ..
____________