لديَّ قناعة بأن أكثر النساء في زمننا هذا لم يستطعن أن ينفين عن أنفسهن التهم والأوصاف السلبية التي تفنن الرجل في إلصاقها بهن عبر التاريخ ، وأن يثبتن أنهن لسن كنساء الأمس الغابر حين كن يُبعن ويُرتَهنَّ للغناء والخدمة والمتعة والإثارة .
أستطيع أن أستدعي من ذاكرتي عددا من الأحكام والانطباعات السلبية التي راجت حول المرأة عبر عصور مختلفة ، فهناك صورة نمطية للمرأة قد تكونت أجزاؤها في ذهن الرجل منذ أن خلُقا ، أي منذ حكاية إغواء حواء لآدم ، ثم توالت الأجزاء المكملة للصورة عبر الزمن ، فالكتاب المقدس وبخاصة في عهده القديم وفي سفر التكوين بالذات لم يعرض سوى نساء ماكرات خادعات أو مشوهات خُلُقا وخَلْقا ، مثل سارة وهاجر وامرأة لوط وابنتيه وراحيل وتمارا ودينة وبلهة ومريم .
وفي القرآن الكريم ذِكرٌ لنساء فاضلات وأخريات شريرات مثل امرأة العزيز وامرأة نوح وامرأة أبي لهب ، وفي مجمل المأثور الإسلامي ترددت عبارات تفيد أن المرأة خلقت من ضلع أعوج ، وأنها ناقصة عقل ودين ، وتكفِّر العشير ، ولا تصلح للولاية العامة .
وفي مدونة الأدب العربي ثمة كَمٌّ هائلٌ من النصوص النثرية والشعرية التي تُصور المرأة بوصفها مخلوقا يمثل في نظر الرجل كل سوء ، فهي شيطان وخادعة ومراوغة وثرثارة ولئيمة ولا تصلح إلا للبكاء أو الغناء ، ومعرَّة يعيَّر بها الرجل ، وهذه مجموعة من النصوص أوردها لأجل التأمل فيها واستنطاق دلالتها وبيان السبب الذي جعل صفوة الرجال من الشعراء والحكماء يصورون المرأة بهذه الصور المشينة :
1 ـ الشاعر عبدة بن الطبيب يرى أن النساء لا يحفظن الود والعشرة :
فإن تـســألــوني بالنــــــساءِ فإنـي …
عليمٌ بأحوالِ النساءِ طبيبُ
إذا شاب رأس المرء أو قلَّ مالهُ …
فليس له في ودهنَّ نصيبُ
2 ـ كعب بن زهير اتهم حبيبته سعاد بالكذب بإخلاف الوعد فقال :
ولا تمسك بالعهدِ الذي زعمـــتْ …
إلا كما تمسك الماءَ الغرابيلُ
كانت مواعيدُ عرقوبٍ لها مثلاً …
وما مواعيـدها إلاّ الأباطــــــيلُ
3 ـ الشاعر الحطيئة هجا أمه ووصفها بالثرثارة التي لا تستطيع كتمان السر وبثقل الدم :
أغربالا إذا استُودعتِ سراً وكانوناً على المتحدثينا
4 ـ كذلك وصف الحطيئة زوجته باللؤم قائلا :
أطوِّف ما أطوِّف ثم آوي إلى بيتٍ قعيدتُهُ لَكَاعِ
5 ـ علي بن أبي طالب يعيَّر أنصاره الذين خذلوه في قتاله مع معاوية بالأطفال والنساء ، قائلا :
عقولَ الأطفال وأحلامَ رباتِ الحِجال، لوددتُ أني لم أركم ولم أعرفكم …
6 ـ الشاعر جرير منعه الحياء ومخافة معرَّة الناس من البكاء على زوجته المتوفاة ومن زيارة قبرها ، فقال :
لولا الحياءُ لهاجني استعبارُ …
ولزرتُ قبركِ والحبيبُ يُزارُ
7 ـ آخر ملوك الأندلس أبو عبد الله محمد تعيِّره أمه بالنساء قائلة :
إبكِ مثل النساءِ مُلْكاً لم تحافظْ عليه كالرجالِ
8 ـ شاعر لا أذكر اسمه يؤكد أن المرأة عجينة طيعة لمن يتولى أمرها :
فهي شيطانٌ إذا أفسدْتها وإذا أصلحتَها فهي ملَكْ
9 ـ أبو العلاء المعري يؤكد أن النساء طُبعن منذ القدم على قلة الوفاء فيقول :
ومن صفاتِ النساءِ قُدماً أنْ لسنَ في الودِ منصفاتِ
10 ـ أحد الأعراب تزوج اثنتين ، يلخص تجربته المريرة قائلا :
تزوجتُ اثنتينِ لفـــــرطِ جــــــهلي بما يشـقــــى بـه زوجُ اثنـتــــــينِ
فقلتُ أصــــــــيرُ بينهما خـــــــروفـاً فأنـعــــــــمً بين أكــــــرمِ نعـجـتينِ
فصرتُ كنعجةٍ تُضحي وتُمسي تـــــــداولُ بين أخــــــبـثِ ذئـبتـينِ
رضا هـذي يهيِّج سخط هـذي ِفما أعرى من إحدى السخطتينِ
وألقى في المعيـــــشةِ كـلَّ ضُـرٍ كذاك الضـــــُرُّ بـين الضّـــــــــَرتينِ
لهــــــذي لـيـــــلـةٌ ولـتلـــــك أخـرى عتـــــــابٌ دائـمٌ فـي اللـيـــــلتــــــينِ
فإن أحبـــــبتَ أن تبـقـــــى كـريمـــــــا من الخيراتِ ممـلوءَ الـيديـنِ
فعِـشْ عـــــــــــزِباً فإنْ لم تسـتطعهُ فضرباً في عِراضِ الجحـفلـينْ
11 ـ رفاعة الطهطاوي يوصي بتعليم البنات حتى يزول (( ما فيهن من سخافة العقل والطيش )) .
12 ـ نزار قباني يقرُّ وهو الخبير بأحوال المرأة بأن المرأة مراوغة :
أأحاسبُ امرأةً على نسيانها
ومتى استقام مع النساءِ حسابُ
هذا غيض من فيض مما سطَّره الشعر والنثر في المرأة ….
ولكن هل ما قاله الشعراء والكتَّاب في حق المرأة كان نتاج تجربة معها وتعبيرا عن حالها الذي تراءى لهم منها ؟ .
أم يا تُرى كانوا يرددون أقوال العامة الذين درجوا على تحقير المرأة والحط من قدرها ، فهؤلاء دأبوا على القول إن المرأة شيطان وأفعى وشر لا بد منه ، ومن رُزق البنات سيضطر إلى مصاهرة حتى الكلاب لكي يتخلص منهن ، ولن يستفاد المرء من بناته سوى كثرة العويل والبكاء المر عليه حين يموت ؟ .
في رأيي أنهم نطقوا بلسان قومهم ونقلوا الموقف العام من المرأة ، ولما كان ناقل الكفر ليس بكافر فإن من الإنصاف القول إن هذه النصوص لا تمثل مواقف قائليها من المرأة ، فمن السذاجة استجلاء موقف معادٍ للمرأة من شاعر كنزار قباني مثلا لمجرد أنه نقل في بيت شعر واحد قولا شائعا بين العوام مفاده أن المرأة جُبلتْ على المراوغة .
أخيرا … تُرى كم عدد النساء في عالمنا العربي اللائي لا تنطبق عليهن تلك النعوت المشينة والظالمة ؟
وهل تغيرت نظرة عموم الرجال إلى عموم النساء وبخاصة في هذا الشرق ؟
هل استوعبت واستفادت النساء من نضال وكفاح رائدات النهضة النسائية إبَّان نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مثل هدى شعراوي وملك حفني ناصف وأمينة السعيد في مصر، ونظيرة زين الدين في لبنان ، وبشيرة بن مراد وتوحيدة بن الشيخ في تونس ، وخديجة الجهمي في ليبيا ؟ .