هناك دوستويفسكي في الأدب الروسي، توماس مان في الأدب الألماني، خورخي لويس بورخيس في الأدب الأرجنتيني، نحن في الأدب الليبي عندنا إبراهيم الكوني.
يقف على تراث هائل من الفكر البري المعجون بمزيج معقد من الأفكار النيتشوية، شخصياته تتحدث كأنها خرجت للتو من نقاش ساخن مع دوستويفسكي أو كأنها نزلت رأساً من الجبل السحري لتوماس مان، شخصيات غريبة وحميمة في ذات الوقت، دائماً على حافة الجنون، تجعل كل قارئ يتساءل عن الاختلاف المزعوم في الشخصيات الإنسانية، غريغور سامسا اليهودي يمكن أن يولد في وسط خيمة في الجنوب الليبي، يعيش بذات الظروف، يولد بذات الأفكار، يفقد السيطرة على نفسه ومحيطه ليتحول هو الآخر إلى شيء مقيت لا يقبله المجتمع بسبب العزلة الإجبارية بسبب خيارات غير معقولة كالتحدث إلى الودان أو التحول إلى الضب، إبراهيم الكوني يشرح كيف إن الإنسان الليبي الحديث معقد جداً من الداخل، فهو يدفع سعيداً حياته ثمناً لعناده الشخصي.
في كتاباته تجد الدرويش المتعلق بقمم الجبال ينتشي لرؤية الناس راكضين كالنمل لأجل شؤونهم الحياتية، كما تجد شخصيات تخسر أسمائها وظلالها لصالح السحرة، ترى السراب يعبث بالبشر ويعيد تشكيل أجسادهم، تجد مهرياً أبلقاً بصفات وعواطف إنسانية، تسمع لعنات وثنية في الهواء الطلق كما ترى عابر سبيل يقود أمة كاملة إلى الهاوية الأخيرة، ذرات رمل تقرع كالطبول، مجنون يبيد الطبيعة البرية بسلاحه الناري فيما الأحجار تنزف، الشيخ غوما بسوطه الرهيب كما تجد قصصاً عن لحظات عشق فريدة من نوعها، مشاعر عشق تولد أثناء الهجرة !
احدى أكثر شخصياته غرابة، أوخيد من أولى رواياته: التبر التي كتبت قبل سقوط جدار برلين وقبل سقوط الإتحاد السوفيتي، بفترة بسيطة. كان إبراهيم الكوني عاند اللجنة السوفيتية، عند تقديم مشروع تخرجه من معهد غوركي للآداب، طلبوا منه أن يغير موضوع بحثه الذي أراده عن ثيودور دوستويفسكي المغضوب عليه من قبل حكومات السوفيت، أمر لم يقبله أبداً. للأديب من شخصياته نصيب !
في روايته القصيرة: التبر تتضح بعض أجمل مواضيع الكوني: الصحراء كساحة جديدة في الآداب العالمي، شكل فريد لم يقدمه حتى أنطوان سانت أكزوبري، الصراع بين الأب والابن، الإيمان بالذات لحدود النرجسية، العشق، الطبيعة، الرقص والطبول المزركشة مع كمية كبيرة من الحوارات العاقلة جداً، بحيث يخيل إليك بأن الكوني يرسم مجتمعاً من القديسين، إنما كل شيء بثمنه هناك، العناد والتطرف في الآراء تكلف غالياً، بالرغم من ذلك فإن شخصياته لا تكف عن تلك الآراء. تتساءل ذات أسئلة النابعة من مجلدات الأخوة كارامازوف، حتى إنك تظن لوهلة بأن ايفان كارامازوف مواطن ليبي ولد في آدري – الشاطئ، ليتساءل عن معنى وجوده الشخصي، مثل ايفان فإن شخصيات الكوني تتحاور مع الشياطين – الجن – أهل الخفاء ! تحلم بالكوابيس كما حلم بورخيس يوماً، بأنه في منزل بلا نوافذ ولا أبواب، الظلمة تحيط به، يتلمس الجدران بحثاً عن مخرج، دون فائدة، طوال الوقت يشعر بأنفاس مخلوق رهيب يطارده من غرفة لأخرى في الظلام، يتحسس بيديه جدران العتمة، حتى يضرب قبس النور جدران حياته في احدى أكثر مشاهد النهاية عنفاً في الأدب الليبي، ربما العالمي.
أوخيد على عكس ما ذهب إليه البعض، شخصية ليبية أصيلة يمكن أن تجدها في بنغازي أو طرابلس كما يمكن أن تصادفها في مرزق وسبها ! إن أردت أن تتعرف على الجانب الخفي من الشخصية الليبية، فما عليك إلا أن تفتح رواية التبر لإبراهيم الكوني !!
_____________________________
تعليق واحد
تقييم مركز ودسم لأدب الكوني , يمر عبر شخصياته كيف يركبها , والجغرافيا الصحراوية التي تطبع معظم أعماله , تعليقي متأخر , فقط أحببت أن أحي الكاتب الناقذ .