خالد خميس السَّحَاتِي
*أقـنعَـةٌ:
ذَاتَ صَيْفٍ التقيَا صُدْفَةً فِي حَدِيقَةٍ عَامَّةٍ ، تَحَوَّلَ اللقَاءُ العَابِرُإلى صَدَاقةٍ ، تَطَوَّرَتِ العِلاَقَةُ بِسُرْعَةٍ مُـذهِلَةٍ ، بَاعَ لَهَا كَلِمَاتٍ مَعْسُولَةٍ فاشترت بأبخَسِ الأثمَانِ ، تَوَغّـَل في قلبها الخَالِي دُون أنْ يَمْنَعَهُ أحَدٌ ، فكَّر في مَاضيهِ المُؤلِمِ ، عَادَت لذاكِرَتِهِ سَنَوَاتُ الغُربَةِ والضَّياعِ والحِرْمَان ، وتذكَّرت هي والدها المَريض ، ولحظاتِ عُمْرِهَا التي مضت سَرِيعاً ، رسمت لهُ خُطةً مُحكمةً ، وَمَضَتْ فِي تنفيذ مَرَاحِلِهَا حتى النهاية ، علَّهُ ينتشلُها من مُستنقع الرَّتابة القاتل ، وفي اليوم التالي انتظرتهُ طويلاً في ذات المكان الذي التقيا فيه لأوَّلِ مرَّةٍ ، لكنَّهُ لمْ يـأتِ ، عادت إلى شُقتها فوجدتها خاليةً تماماً ، وزهرةُ الياسمين التي أهدتها لهُ مُلقاةً على الأرض ، دخلت غُرفة والدها مُسْرِعَةًً ، فأدركتهُ يلفظُ أنفـاسَهُ الأَخِيرَةَ، ويُتَمْتِمُ بكلماتٍ لم تفهمها . خَلَعَتْ قِنَاعَهَا الرَّخِيصَ ،وَقَرَّرتْ أَنْ تفترس أوَّلَ رَجُـلٍ يُقابلَها في الطَّــريق!.
* حُلُـمٌ:
فِي تلك الليلَةِ الحَالِكَةِ الظَّلاَم كَقِطْعَةِ فَحْمٍ مُتَحَجِّرَةٍ ، بَـدَا الحُبُّ المُنْهَكُ مُنْتَحِباً عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيق ، يَسْتَجْدِي عَطْفاً مِنْ رُوَّادِ الزَّيْفِ المُزَرْكَشِ بخَوَاءِ الذَّاكِرَةِ ، يَشْتَكِي العُزْلَةَ القاتِلةَ بَيْنَ جَنَبَاتِ النِّسْيَانِ ، يُحَاوِلُ الإبْحَارَ بِلاَ زَادٍ إِلىَ الضِّفَّةِ الأُخْرَى ، حَيْثُ لاَ يَخْتَبِأُ السَّرَابُ فِي قُلُوبٍ مَيِّتَةٍ ، وَلاَ يَتَدَثَّرُالهَذَيَانُ بِثَوْبِ النَّزَاهَةِ . فَجْأَةً ، استيقظ الحُبُّ فَزِعاً ، مِنْ هَذَا المَشْهَدِ المُزْعِجِ ، وَحَاوَلَ أَنْ يَغْـفُـوقَـلِيلاً ، لِيَحْجِـزَ مـَكَـاناً فِي حُلـُمٍ جَـدِيدٍ .
14
* انتظـار:
القَمَرُ يُشِعُّ بِنُورِهِ عَلَى الكَـوْنِ ، ويَمْنَعُ الغُيُومَ قَاتِمَةَ السَّوَادِ أَنْ تَحْجُبَ ضَوْءَهُ عَنْ عُيُونِ الحَالِمِينَ والبَائِسِينَ والعَاشِقِينَ ، الحَدِيقََةُ تَخْلُدُ إِلَى النَّوْمِ ، وَاللَّيْلُ يَجْلِسُ عَلَى نَاصِيَةِ الطَّرِيقِ فِي انتظَارِالرِّحْلَةِ القَادِمَةِ ، بََعْدَ لَحَظَاتٍ قليلةٍ سيفرحُ الجَمِيعُ ، القَمَرُوالغُيُومُ والحَدِيقََة وحَتَّى الليلُ ؛ لأنَّ الحَدِيقَة نامت قَبْلَ أن تُخبرالقَمَـرَ بِقِصَّةِ انتظارِ الليلِ لمَـوْكِبِ شَــوْقٍ لَنْ يَأتِيَ أَبَـداً .
* نَـدَمٌ:
سَأَلتْ نَبْتَةُ الزَّعْتَرِ شَجَرَةَ الكَرَزِ بِعَفَوِيَّةٍ : هَلْ يُرِيدُ هَؤُلاَءِ لَنَا الخَيْرَأو السَّلاَمَ ؟ أَمْ أَنَّ نَوْمَنَا فِي هُدُوءٍ يُزْعِجُهُمْ ؟ أجَابَتْ شَجَرَةُ الكَرَزِ بِصَوْتٍ خَافِتٍ : اسْأَلِي تلك الدَّبَّابَةَ القَابِعَةَ هُنَاكَ عِنْدَ سَفْحِ الجَبَلِ … حَمْلَقَتِ الدَّبَّابَةُ فِي شَجَرَةِ الكَرَزِ بِشَزَرٍ وَاضِحٍ ، ثُمَّ أَطْلَقَتْ قَذِيفَتَهَا المُثَرْثِرَةَ لِتُجِيبَ عَنِ السُّؤَالِ بِطَرِيقَتِهَا الخّاصَّةِ ، تّحَوَّلَ الحَقْلُ إلى أشلاءَ مُمَزَّقَةٍ مِنَ الفُرُوعِ وَالأَغْصَانِ المَحْرُومَةِ مِنَ الحَيَاةِ وَالأَمَلِ وَالتُّرَابِ ، عَرَفَتْ نَبْتَةُ الزَّعْتَرِ الإِجَابَةَ لَكِنَّهَا حَتْماً نَدِمَتْ عَلَى ذَاكَ السُّؤَالِ اللعِينِ !.
* نهاية الحكاية:
فِي دَارِ المُسِنِّينَ أَخْرَجَ صُوَرَ أَوْلاَدِهِ ، تَأمَّلَهَا بِعِنَايَةٍ وَلَمَسَهَا بِيَدِهِ ، انهَمَرَتْ دُمُوعُهُ بِغَزَارَةٍ ، اختلَطَتْ مَشَاعِـرُهُ ، لَمْ يَعُدْ قَادِراً عَلَى التَّحَكُّمِ فِيهَا ، ذِكْرَيَاتٌ وَدُمُوعٌ وَوِحْدَةٌ .. مَحَبَّةٌ وَشَقَاءٌ وَغُــرْبَةٌ ، وَقَـفَ بِصُعُـوبَةٍ مُتـَوَجِّهاً صَــوْبَ النافِـذَةِ ، نَـظَـرَإلى الصُّـوَرِ للمَــرَّةِ الأخِيرَةِ ، (تحَـسَّسَ قـلبَهُ) ثمَّ مَـزَّقَـهَا ورمَى بِهَا بعيـداً ، أكمـلتِ الرِّيـحُ البَـاقِي ، سَقَـطَ عُكَّازُهُ الخَشَبِيُّ الهَـــرِمُ ، تَوَقَّـفَ قَـلْبُهُ المُتْعـَبُ عَنِ النَّبـْضِ ، خَــرَّ عَلَى وَجْـهِـهِ صَـرِيـعاً . انتَهـَتِ الحِكَـايَةُ ، أُسْـدِلَ السّـِتـاَرُ ، صَفّـَقَ الجُمْهُـورُ بِحَـرَارَةٍ بَـارِدَةٍ ، ثُمَّ ذَهـَبَ كُــلُّ فِي طَــرِيـقِهِ .
بنغــازي / ليبيا