جمعة المصابحي
أَتَانِي اللَّيْلُ فَرَمَى عَليَّ عَبَاءَتَهُ
وَكَأنَّ عُيونِي فَرَطٌ أَصَابَهَا الرَّمَادَ
يَا لَيْلُ مَا أَنْتَ إلَّا رَسُولَ شُؤْمٍ
فَقَدْ أَضَفْتَ عَلَى السَّوَادِ سَوَادَ
رَمدَتْ عَيْنايَ مِنْهَا بُكاءً وَسُهْداً
أَضْنَانِي الْفِرَاقُ وَالأَلَمُ في ازْدِيادِ
سُؤَالٌ أُلْقِيهِ إِلَيْكِ مَا بِكِ غَائِبَة
وَأَنَا لِغِيَابِكِ قَفِيْرٌ أُجْنِيهِ حَصَادَ
مَلْسُوعٌ بِحُبِّكِ فِي صَمْتٍ وخَرَسٍ
مُشْتَاقٌ يَحِنُّ إِلَيْكِ مُقَيِّدٌ بِالأصْفَادِ
مَا بَالُ هَوَايَ بِكِ يَزْدَادُ اشْتِعَالاً
وَأَرَى هَوَاكِ يَصْغُرُ كَنِيرَانِ الَأَعْوَادِ
وَقَدْ كَانَ لَكِ مَعِي عَهْدٌ قَدِيْمٌ
فَإنْ نَسَيْتِهِ فَلِمَ أَقَمْتِ لَهُ حِدَادَا؟
لاَ زلتُ أَذْكُرهُ تَرَانِيْمَ في أُذُنِي
فَهَلْ يَنْسَى المُعَذَّبُ سِيَاط الْجَلاَدَ؟
أَعْلَمُ أنَّكِ تَقِفينَ عَلَى نَوَافِذِي مُتَرَقِبَةً
رَقَصَاتُ أَبْيَاتِي تُصِيْبُكِ مِنْهَا ارْتِعَادَ
أَأُشْرِبَ قَلْبُكِ حُبِّي أَمْ إِنَّهُ سَرَابُ؟
لَكنِّي أَرَاهُ قَدِ اقْتَادَهُ قَلْبِي اقْتِيَادَا
دِيبَاجَتَاكِ جُورِيْةٌ دَلَائِل عَنْ حُبّكِ
وَعَيْنَاكِ بَلَاءُ لَحْظٍ سَرَقَ منِي الرُّقَادَ
فَهَل تَرَينَنِي بِقَلْبكِ حَبِيْباً مُتَيَّماً
أَمْ أَنَّكِ لِلْحَبِيْبِ اَلقَدِيْمِ نَاصِبَةً أَوْتَادَ؟
فَهَلّا أَتَيْتِ إليَّ بِالْحُبِّ مُقْبِلَةً غَيْرَ مُدْبِرَةٍ
تُلْقِينَ عَلَى سَمْعِي اَلْوِدَادَ
فَنَسْبَحُ فِي بَحْرِ اَلْهِيَامِ مَعاً
لِيُسَجِّلَ التَّارِيخُ بِأَنِّي عَزَمْتُ الجِهَادَ
فَلَا غَيْرُكِ حُبٌّ وَلَا عِشْقٌ أَنَا قَابِلهُ
لأنِّي لِأَجْلِكِ قد نوَيتُ الاستِشْهادَ
من ديوان: بوح قلم.