منذ ذلك اليوم الذي أخبرني فيه أبي أن للجدران آذانا، وأنا أظن إنها ترى وتسمع حديثنا، ولكن أبي لم يكن يهتم لذلك، فهو دائماً يتشاجر مع أمي ومعنا بصوت عال وعادة ما يدعو رفاقه إلى بيتنا يتسامرون ويتبادلون الأحاديث الطويلة عن الثورات والحروب وارتفاع سعر البنزين والدولار، كانوا يقولون أحاديث كثيرة لم أفهمها ولكن شعرت بأنها مهمة، وسرية.
اختفى أبي ولم نعد نراه، وأنا لم أكمل عامي العاشر، ولم أكن أعرف سر هذا الاختفاء، ولماذا؟ كنت أرى أمي وهي تتصل هنا وهناك علها تجد إجابة أو أين يكون ولكن دون جدوى.
ذلك اليوم اتصل عمي ليخبرنا إنه عرف مكانه، وانه معتقل، وأن هناك من وشي به وأودعه السجن، اقتربت من أمي وأنا أحاول أن امسح دموع قد اندفعت على خديها وسألتها:
ما معني وشي به؟
وعندما فسرت لي ذلك، نظرت إليها وقلت:
أهي الجدران؟
فردت وعلى وجهها سحابة حزن:
الجدران تنصت ولا تخون!!