طيوب عربية

أدب التسامح.. أيهما أقرب للتسامح إبداع المرأة أو الرجل؟

صحيفة الصباح.. (استطلاع/ محمد القذافي)

هل يجوز تصنيف الإبداع بحسب جنس منتجه؟ وهل يحق لطرف الدفاع عن أفكاره لأنه يعتقد أنه الأكفأ؟ ما بين الإنسانية والإبداع والتسامح خيوط رقيقة تربط كل تلك القيم والمباديء والنصوص الناتجة عنها ولاتنفك مجتمعة في حزمة تكون منظومة إبداعية تشمل الإنسانية كافة في كل مكان وزمان، انبثق منها جدل حول من صاحب الإبداع الأقرب إلى التسامح أهو المرأة أو الرجل؟ هنا نستعرض آراء مختلفة لعدد من الكتاب والمبدعين العرب.
> يقول عبدالوهاب الملوح / شاعر وروائي من تونس:
يبدو لي أن طرح السؤال بهذا الشكل هو طرح مغلوط؛ على اعتبار أنه انطلق من مبدأ الفصل بين الرجل والمرأة وأن لكل واحد منهما أدبه الخاص وفنه الخاص، وكأن هناك أدباً نسوياً وأدباً رجالياً، وهو ما قد يفتح على قضايا أخرى هي على درجة من الحساسية والدقة مثل الذكورية والأنثوية والمثلية وحقوق المرأة والحريات الفردية وهو ما ليس في سياق ما يطرحه ملف الحال هذا عن التسامح. أليس الأدب عموماً هو فعل تسامح على مستوى أعلى مما درج عليه الناس؟ التسامح قيمة إنسانية ثابتة وكل الثقافات بمختلف حضاراتها تدعو إلى تبجيل هذه القيمة وتدافع عنها، حتى أنها في دساتير بعض الشعوب تتصدر البنود الأولى، والأدب بوصفه فناً ومرقى جمالياً يعمل على زيادة تثبيت هذه القيمة إن لم يسع إلى الإضافة إليها، ومهما كان مصدر هذا الأدب امرأة أو رجلاً أو طفلاً ملوناً أو أبيض سليماً أو ذا احتياجات خصوصية فهو مديح لقيمة التسامح وإعلاء من شأنه، بل لا أصنف ما قد يكتب في غير التسامح أدباً، وإن أكثر الكتابات الأدبية عنفاً هي ولئن بدت في الظاهر تتحدث عن العنف ولكن في جوهرها تبين فظاعة عدم التسامح، بل إن أكثر الكتابات مما اتسمت بالمازوشية أو الكراهية من مثل الماركيز دي ساد أو برنانوس أو كافكا إلخ كانت في جوهرها تعلي من شأن التسامح.

> رحاب شنيب / شاعرة وكاتبة من ليبيا تقول:
يعمل اﻹبداع على تفكيك بنى الحياة البشرية بمختلف أنماطها، ويسعى المبدعون من خلال ذلك إلى تجميل الذائقة البشرية، لكن هل يتوجب على الإبداع أن يكون بريئاً حاملاً راية الدفاع عن قيم الخير؟ يقول جورج باتاي في حديثه عن كتابه اﻷدب والشر “إذا ابتعد اﻷدب عن الشر فسيصبح مملاً، فاﻷدب مطالب بوضع القلق على المحك، والقلق مؤسس على شيء يتجه نحو الشر “، لذا فالمبدع مثل الجراح الذي يمسك مبضعه لمعالجة الإنسان سواء كان خيراً أو شريراً، دائماً يقترب من اﻷماكن الخطرة حيث يوجد الشر والبغض محاولاً تعريتها، لذا مفهوم التسامح يصبح فضفاضاً غير قادر على الوقوف جنباً إلى جنب كصفة للإبداع، فيبقى البحث عن فكرة التسامح عند أدب الرجل أو المرأة موضوعاً هلامياً غير واضح خصوصاً إذا ما تحدثنا عن مفهوم اﻷدب النسوي وركزنا على السؤال المتكرر دائماً لم هناك أدب للرجل وأدب للمرأة؟ في اعتقادي أن هذا المصطلح لم يكن للتمييز بين ما تكتبه المرأة وما يكتبه الرجل، بل للحد من السيطرة الذكورية وتقويض التمييز الذي يعتمد على الجنس محاولاً دعم المرأة في شتى مجالات الإبداع وليس حصرها في زاوية ضيقة.

> وقالت الشاعرة الليبية حنان محفوظ:
الإبداع الأقرب للتسامح ليس له جنس معين، فربما قلب المرأة الأقرب للرقة والرحمة نجده لا يعبر عن التسامح بالقدر الذي يعبر به الرجل، أو نجد الرجل الذي يمتلك من القوة والعزيمة أكبر من المرأة لا يجرؤ علي أن يبدع في هذا الفن؛ وذلك لأنه إبداع إنساني وأخلاقي ينبع من الخوف على الإنسانية وعلى اللحمة الوطنية كما في الحالة الليبية.

> آمال قرامي / باحثة وأستاذة جامعية من تونس تقول:
لا يمكن الفصل في اعتقادي بين أشكال الإبداع على أساس الجنس؛ فالإبداع فعل إنسانيّ سواء أصدر عن الرجل أوالمرأة، وهو فعل ينشد بناء عالم جديد تسود فيه قيم إنسانية مثلى، ومن هنا فإن القول السائد أنّ النساء أكثر قرباً من الطبيعة وأكثر تمسّكاً بالسلم والاستقرار. التسامح لا يعكس الواقع بل هو وليد صور نمطيّة تجعل الرجل ممثّل الثقافة والفعل الصيد، العمل، الحرب، الإنتاج)، في مقابل المرأة التي تُمثّل الطبيعة (العاطفة، الحنان، الرقّة)، ولعلّ مساهمة النساء في العراق والأردن في عمليات التفجير يثبت أنّ من النساء فئة وهبت نفسها لثقافة الكره والتشفّي بدل الحوار وقبول الآخر، فلم تكن مساهمة في تحقيق السلم الاجتماعيّ ونشر قيم التسامح بقدر ما كانت أداة في خدمة المواجهات والصراع الدامي. و يبدو لي أنّنا اليوم بحاجة إلى مبدعين يعملون جاهدين من أجل مواجهة ‘مديح الكراهية’ بثقافة الحب والأخوّة والتسامح والقبول بالآخر والتعايش السلمي.

> كلاديس مطر / كاتبة وباحثة من سوريا:
هذا السؤال يستدعي إلى تفكيري سؤالاً آخر: أليست المرأة والرجل من نفس الطينة والطبيعة أليسا هما الاثنان بشريين؟ لقد عرفتنا الحروب الربيعية العربية الأخيرة على أن الطبيعة البشرية عنيفة عندما يتعلق الأمر بأيديولوجية الإنسان وأفكاره التي يعتقد أنها مُهَدَدة، هذا ينطبق على الاثنين معاً. لقد رأينا النساء في هذا الربيع العربي وكيف دافعن حتى الرمق الأخير عما يعتقدن أنه صحيح وحق بالنسبة لهن مهما كان هذا الفكر المُعبر عنه مدمراً أو غير أخلاقي. إن هذا “الربيع” كان كورقة الكشاف الكيميائية حيث وضح لون الاثنين معاً: المرأة والرجل، الاثنان معاً لم يفهما أن العنف لا يكمن في استعمال البطش والسلاح فقط وإنما في فرض وجهة النظر والتطرف والتعصب لها مهما كانت “ضرورية” و”أخلاقية” وذلك لأن التطرف والتعصب بحد ذاتهما عنف وإقصاء لثقافة الحوار والمسامحة، وهذا ينطبق على إبداع الاثنين حيث يعكس قيمهما معاً و إن كانت الأدوات التي تستعملها المرأة مختلفة وأكثر مواربة. مع ذلك فإذا كان الاثنان لا يؤمنان بالقتل من أجل فرض أفكارهما فإن إبداع الاثنين معاً سوف يعكس هذا المعتقد. و إن كانا يؤمنان الاثنان معاً بالجهاد – كل على طريقته – فإن هذا سوف ينعكس في إبداع الاثنين معاً. ولقد صعقت كثيراً خلال السنتين الماضيتين عندما قرأت لمبدعات عربيات معروفات يؤيدن جهاد النكاح ويتخلين عن كل ما كتبن في السابق عن المساواة والحرية وكل هذه الديباجة التي نسمعها منهن بمناسبة وبغير مناسبة! كما قرأت لمثقفين رجال كانوا من دعاة السلام والحوار تصريحات لا يمكن أن نقول عنها إلا أنها نقيضة لكل تسامح أو تهدئة أو مسامحة. إن التحريض الطائفي والمذهبي وتقريظ التطهير العرقي وصل إلى أوجه في كتابات البعض من الاثنين: الرجل والمرأة. وبالمقابل هناك نساء ورجال على النقيض، عكس إبداعهم فكراً جميلاً حاول تكريس قيم الوحدة الوطنية والحوار ومحاولة العثور على رابط مشترك بين الجميع. لهذا أقول العنف أو المسامحة لا يتعلق بطبيعة المراة والرجل لا طبيعية فيزيائية ولا وجدانية؛ وإنما بمستواهما الثقافي والتربوي والبيئة الحاضنة لكل منهما، فإن ترعرعا في بيئة مسامحة فهما كذلك، وإن ترعرعا في بيئة متطرفة فهما كذلك، وإبداعهما – على أي مستوى كان – سيكون على صورتهما ومثالهما حتى لو لم يريدا ذلك. لنغير إذاً من البيئات الحاضنة للتطرف والكره والعنف قبل أي شيء آخر، لنغير من مناهجنا التربوية فبدلاً من تدريس المواد التي تكرس الاختلاف الديني للإنسان عن أخيه الذي يعيش معه تحت سقف الوطن، لندرس المواد التي تشرح معنى المواطنة الحقة والقوانين المدنية والوحدة الوطنية.

> أكرم خلف عراق / روائي من الأردن:
الإبداع الأدبي هو نوع من ذهب العبقرية الخالص والمطمور في مناجم الموهبة, ولذا قد يتشابه الروائيون مع عمال المناجم في أداء بعض المهام المتشابهة وهي الحفر والتنقيب, فالروائي الذي يحفر صخور الوجدان بمعول الفكرة ومطرقة الإدراك كي يمزق نسيج تربة الذات الإنسانية, بأوجاعها وفشلها وهمومها الدفينة, هو في حقيقة الأمر عامل منجم ولكن بامتيازات وصلاحيات تختلف عن أولئك الذين يكدحون تحت القشرة الأرضية, الفرق أن الروائي يكدح تحت قشرة الإحساس لا قشرة الأرض, لعله يصل إلى مبتغاه وهو الاستحواذ على معدن التجربة الإنسانية الثمين. أظن أن الحكمة هي ذاك المعدن؛ وهذا ما يبرر الثراء الإبداعي لبعض الروايات والفقر الإبداعي للبعض الآخر.. شتان ما بين رواية باذخة الإنسانية كما لو أنها قطعه ماس, وما بين رواية طاعنة في الضجر كما لو أنها قطعة فحم، الأولى كتبت كي تبقى خالدة مصونة في خزائن الأدب باعتبارها كنزاً من كنوز البشرية، والثانية كتبت كي تحترق وتتلاشى في موقد النسيان باعتبارها رماد ورق لا أكثر. من وجهة نظري الإبداع الأدبي ليس مقصوراً على جنس دون آخر, أو جنسية دون أخرى؛ الإبداع الأدبي ليس محكوماً بجغرافيا أو مكان أو زمن أو عصر من العصور، إنه البوصلة التي تقود إلى الاتجاه ذاته, وهو البحث عن الكمال والنضوج والحكمة. وهذا ما يدفعني للقول إنه لا فرق بين الأدب الذي يكتبه الرجل والأدب الذي تكتبه المرأة؛ مقياس الجودة والخلود والحضور للروايات التي تكتب بقلم صادق واثق متزن. من منا لم يقرأ رواية مارغريت ميتشل (ذهب مع الريح)؟ من منا لم يقرأ رواية غابرييل غارسيا ماركيز (مائة عام من العزلة)؟ الأدب الخالص النقي قد يكتبه رجل وقد تكتبه امرأة، وبغض النظر عن الفرق الفسيولوجي يبقى الاثنان -أي الرجل والمرأة- هما الطين الحي المتحرك المجبول بالحلم والأمل والوجع والشقاء. التسامح والسلام والمحبة هي الصفات والسمات الأقرب للأقلام التي تتشبث بها أصابع أدباء حقيقيين, أقل ما يمكن أن يقال عنهم أنهم مبشرون بالإنسانية والخلود حتى بعد موتهم.

> نسرين بلوط / شاعرة وكاتبة من لبنان:
برأيي في الإبداع عندما يفرغ الأديب وجدانه سواء المرأة أو الرجل فهو يرتقي به وبقلمه إلى أعلى مراتب السمو المحسوس، الإبداع لا يفرق بين شخص وآخر، بين جنس وآخر، بين بلد وآخر. الإبداع هو سمة مركبة في النفس البشرية تنقل جماليات الحياة بمجازية مفرطة تطال الحس وتفعم القلوب بنغم شجي آسر، ربما الفرق بين الرجل والمرأة في مسألة الإبداع هو أن المرأة تطغى في كتابتها معالم الأنوثة والرقة السابحة في لازوردية مزركشة بمشاعرها الحالمة، تحلم بأسطورة عشتار إلهة الحب أو عشق قيس وليلى المستحيل، وإن الرجل يتدرج بأحاسيسه أكثر في واحة المغامرة وروح الإقدام فنراه رحالاً في البادية وبحاراً في المحيطات يتصاعد بأنفاسه نحو المستحيل ليصل إلى عيني حبيبته، لكن موازين الإبداع ومقاييسه لا تختل في أيما الحالتين بل تعبق بأنفاس كل منهما وتختلف طواياها لدفائن الروح؛ هذا التجانس والتباين على حد سواء يخلق كيان كل منهما، فالتسامح والحوار ليس بالضروري أن ينطبق على الرجال فقط أو النساء فقط، هذه الخصائص ترجع للفكر والخيال الوثاب والنفس البشرية التي قد تميل للسلام وقد تميل للحرب، فما نفع إبداع قلت معانيه وكثرت دواعيه؟ وكيف يكون المبدع مبدعاً سواء كان امرأة أو رجلاً إذا لم يلجأ لقلمه بلهفة التائب ورقة العاشق وسمو المتصوف وتسامح الروح؟ المرأة بقلبها النابض والرجل بعشقه لها ترانيم متآلفة تمس الأرض وتلتصق بالسماء، تتعانق روحاهما كما يتعانق إبداعهما الحقيقي في ذاكرة التاريخ. ميدان الحياة واسع ويسع كليهما ولا أحد يتميز عن الآخر سواء بلغة الحوار والتسامح أو غيرها من اللغات إلا بإبداعه الهادف. الإبداع شعاع من دائرة الوجود يمس النفس البشرية ويفيضها توقاً وإحساساً لا يهرم ولا يشيخ، وليس ذكورياً أو أنثوياً، هو بحد ذاته لغة التسامح والحوار إلا في حالة واحدة هي حالة الدفاع عن الأرض إن اغتصبت، فالإنسان هو وطنه مهما ارتقى ومهما ترحل وارتحل، لهذا تصبح لغة الحوار والتسامح عندما تهدد أوطاننا لغة تصدح بالمقاومة والشهادة والدماء.

> باسم سليمان / روائي وكاتب من سوريا:
التسامح مفهوم ذكوري لأنّ السّلطة وفق مركزيتها التاريخية تعود له؛ فالمباديء الأخلاقية هي ذكورية بطورها الميثي أو الديني أو الوضعي، وعلى صعيد الكتابة يعدّ تاريخ الأنثى وحجم ما كتبته قليلاً إلى حدّ ما بالنسبة لحجم الكتابة لدى الرجل، وإذا ما استبعدنا التّمثّل الكتابي لدى الذّكر مع السّلطة فيبقى لدينا كتابته التي تعارض السّلطة، وهنا علينا التنبه للشبه بين كتابته وكتابة الأنثى بحكم أن جلّ كتابات الأنثى سواء المتماثلة مع وجهة نظر السّلطة أو المعارضة لها تعتبر بحكم الكتابة المعارضة مهما أبدتِ الأنثى من تقية في كتابتها, لكن اختلاف الوضعية الجسدية للذكر واستمداده الأحقية في السلطة وما تفرزه من عقوبات وتسامح تجعل كتابته أكثر عنفاً, لكنّه عنف ينظر له على أنّه ثورة في بعض جوانبه وخاصة الاجتماعية السياسية، وفي المقلب الآخر نجد كتابة الأنثى التي تخوض حرباً لتكسب ليس على صعيد السّلطة بشكلها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بل على الصعيد الذاتي؛ فالأنثى إلى الآن تكتب لانتزاع حقوق لا يتنبه لها الرجل لفرط عاديتها لديه في حين الأنثى مازالت بعيدة عما يتمتع به الرجل وبنفس الوقت تطالب بصيغ حقوقية هي ابنة تفكير الرجل, هنا علينا التمييز بين الترجيع القريب للرجل أيّ ردّة الفعل وبين الترجيع البعيد للأنثى, فعادة ما يكون الرجل أسرع للفعل سواء بالعقوبة أو التسامح منطلقاً من معطيات واقعية تسمح له في حين الأنثى تلجأ للترجيع البعيد أو لنقل للحيلة بحكم الوضعية الواقعية لها, فهي تناور من ناحية لإقرار التسامح بشكله الذكوري وتطعيمه بتسامح أنثوي, ولنأخذ شبهاً نتمثل به أن الفعل لدى الرجل أقرب للسّيل والأنثى أقرب للسّاقية, فالأول قصير سريع والثانية طويلة ممتدة وفعل الرجل أقرب للهيجان/ الغضب وفعل المرأة أقرب للعاطفة التي تتضمن الحبّ والكره والحبّ والكره كعواطف أثرها عادة ما يكون بعيداً عن التسامح رغم شهرة الحبّ بالتسامح وعكسه الكره إلّا أنّهما في المحرك الأساسي لا يختلفان, فهل ينفع ما سبق؟ لا أعتقد؛ فلا نستطيع أن نحكم على التسامح الذي نجده بكتابة الأنثى مقابل التسامح في كتابة الرجل، حتى إنْ اعتبرنا التسامح منتجاً إنسانياً, فهو مصبوغ بنظرة الذّكر عن التسامح لا برؤية الأنثى عنه, فلا تصحّ المقارنة رغم كلّ الأسباب التي تجعلها مقبولة عقلياً. في الظّاهر الخادع نجد كتابة الأنثى متسامحة أكثر وكتابة الرجل أقل مسامحة وفي الجهتين هناك ما يمكن تسميته ب”دب العسل” ورغم لذة وشاعرية “دب العسل” إلّا أنّه يدمّر خلية النّحل بأكثر الأحيان، وأجد صيغ التسامح المبثوثة في كتابة الأنثى والذكر أقرب للبائع الذي يجمّل بضاعته بصراخه بخصائصها منتجاً ضجيجاً الهدف منه تشتيت انتباه المشتري عن العيوب، وما أعتقده بهذا الخصوص كل من الذّكر والأنثى كاذب بخصوص التسامح الموجود في كتابتهما.

> سعاد الورفلي / كاتبة وقاصة من ليبيا:
عند عقد كثير من المقارنات التي تبتديء أو ينتصفها (أيهما أقرب أيهما أحسن- أيهما أفضل؟ وتنتهي بجملة الإبداع عند الرجل أو المرأة؛ فإننا هنا نلمس أن هناك تصنيفاً واضحاً لوضع خط فاصل بين الأدبين، وكأننا هنا قلنا هناك أدب ذكوري، وهناك أدب نسوي، وهذا التصنيف يعارضه كثيرٌ من الأدباء والمفكرين، بل أهل الأدب خاصة؛ فالإبداع شيء فني ينعكس من النفس الإنسانية الذواقة دون أن يكون هناك حدود أو ترجمات أو تفتيت من باب التصنيف، كونه (إبداعاً نسوياً أو إبداع رجل) لأن الإبداع في حد ذاته شمولي، وليس من اللائق أن نضع حدوداً تصنيفية تبين أن هذا أدب رجل وهذا أدب امرأة، فالشمولية هي طابع يليق بمصطلح الإبداع كلون فني راقٍ. ولكن في ضوء السؤال الموضوع: أيهما أقرب للتسامح هل هو إبداع المرأة أو إبداع الرجل؟ فإننا مضطرون أن نحلل الدواعي الداخلية وطبيعة الصورة الإبداعية المنطلقة من تلك النفس: نفس رجل أو أنثى. وبما أن الطبائع الفسيولوجية والبيئية لها مردود ودور كبير في تأسيس العواطف فإننا بلا شك سنقول إن التفكير المنبعث من تلك النفس سيكون فيه شيء من الاختلاف حسب البيئة التي وجد فيها المبدع، فالقول بالمبدع في الحياة الحضرية غير المبدع في الحياة غير الحضرية، والمبدع في المناطق الثلجية غير المبدع في المناطق الصحراوية، فالتصنيفات قياساً على كون (إبداع رجل – وإبداع امرأة) ستُبْنى عليها تصنيفات أخرى طبقاً لعدة معطيات. فيما مضى عقدتُ مقارنة أدبية شعرية بين شاعرين عاشا عصرَ ما قبل الإسلام، أحدهما مات على جاهليته والآخر مخضرم بين العصرين، الشاعران هما مهلهل ربيعة والخنساء، كان هدفي من الدراسة أن أستبين أيهما أقوى في العاطفتين من حيث رثاء ذوي القربى اللصيقين (فالخنساء بكت أخاها صخراً، والمهلهل بكى أخاه كليباً)، ما أثارني للدراسة اقتراب صورة معينة تدور في دائرة الرثاء المتشعبة لدى شعراء العصور الأولى وحتى المخضرمين منهم أنهم عندما يرثون فقيداً تلتمس البكاء والحسرة والدموع في كلماتهم، وسرعان ما تأخذك حالة الحزن التي تصور ذلك المفقود. وعندما نطلق نظرة سريعة على شعرية المهلهل والخنساء سنلحظ سريعاً لغة الانتقام في شعرية المهلهل، كما في قوله لدى تهديده للجاني:
يا أيّها الجاني على قومه
جناية ليس لها بالمطيق
ونلحظ لغة الرقة المصحوبة بالحزن والجنوح للهدوء لدى الشاعرة الخنساء كما في بعض أبياتها:
فَلا وَاللهِ لا أَنْساکَ حتَّی
أُفارِقَ مُهْجَتي وَيشقَّ رَمْسي.
وددتُ في هذا الاستطلاع أن أكتفي بلمسة بسيطة أتبين فيها وجهة رأيي الخاصة: أن الإبداع النسوي – عادة – أقرب للتسامح لغلبة العاطفة الرقيقة واللطف في المشاعر، حتى تخالها تسيطر على الكلمات واللوحات التشكيلية، شيء من السكينة والهدوء، بينما الإبداع لدى الرجل قد تجده صاخباً وليس هذا معنى نقص أو استنقاص، إلا أن لغة العواطف عندما تتحرك في المرأة ستجد الإتقان لكينونة المرأة العاطفية وجموح عواطفها، فقلما تجد لغة الثأر والانتقام والدافعية لاستظهار القسوة في إبداعها، كذلك في نصوص بعض المبدعين من الرجال تجد أن عواطفهم قد تفوق المرأة وتجنح للتسامح؛ وذلك يعود لنقص لدى الرجل من الناحية العاطفية فيكمله إبداعه؛ وينعكس ما يتمناه في نفسه من طغيان المشاعر على لوحاته وكلماته، فيظهر بمظهر المتسامح الهاديء. إلا أنني في حالة التصنيف التي لا أرى داعياً لها ولكن إن تمت مقارنة التسامح في الإبداع بين الرجل والمرأة أيهما أقرب؟ سأجنح لإبداع المرأة والأدلة التاريخية أكثر مما تحصى.

مقالات ذات علاقة

مديح ظل العاشق برهانه

إشبيليا الجبوري (العراق)

وحدي أطلُّ عليها

فراس حج محمد (فلسطين)

تأمين المستوطنين حلمٌ لا يتحققُ وغايةٌ لا تدركُ

المشرف العام

اترك تعليق