MEO : من حازم خالد
قبل أن يكون للاستراتيجية وجود بين مصطلحات النقد، حقق المصطلح وجوده عسكرياً، ولا يبتعد المعنى الاصطلاحي النقدي كثيراً عن المعنى العسكري، فكلاهما يتضمن التنظيم بغية الفاعلية وعندما تلتقي الاستراتيجية بالمكان يظهر معنى جديد له علاقة بدرجة أو بأخرى بالإنسان في صراعه للبحث عن مكان تحت الشمس أو عن سطور في كتاب يتحدث عمن رحلوا تاركين خلفهم من لا يذكر الغابرين.
فالاستراتيجية تعني في أحد وجوهها الفاعلية، فاعلية المكان وهي تشمل بنية النص الباطنية وعمليات الفهم التي تُستثار نتيجة لذلك لدى القارئ.
ويعول كتاب “إستراتيجية المكان.. دراسة في جماليات المكان في السرد العربي” للدكتور مصطفى الضبع، على محاولته أن يرى المكان رؤية مغايرة تستفيد من الرؤى السابقة والمعاصرة، وتحتفظ بحقها في أن يكون لها توجهها الخاص، رؤية تعتمد على إدراك المكان بوصفه فاعلاً، شخصية محركة لها دورها التكتيكي، ولا يتوقف دورها في النص الروائي عند كونها موضوعاً يوجد أو لا يوجد أو مسرحاً يمثل أرضية للأحداث، ولأنه لا حدث بلا مكان والعكس صحيح فالمكان عنصر قار في النص السردي.
النص السردي الحديث
ويرى الضبع أنه لا تتكشف فاعلية المصطلح عن الوقوف بين يدي النص السردي الحديث، ولكنها – فاعليته – تحتفظ بتاريخ يوازي تاريخ النص المكتوب نفسه. من هذا الكتاب يبحث “في” و”عن” المكان في السرد العربي قديمه وحديثه ومحاولاً إثبات هذه الفاعلية المكانية من ناحية وإثبات قدرة النص السردي العربي على أن يعيش صانعاً مكانه/أمكنته الخاصة من ناحية أخرى.”
لذا جاءت فصول الكتاب على النحو التالي: الفصل الأول فكان موضوعه “السرد العربي”، حيث تناول البحث في السرد العربي، تأسيساً لغوياً ونقدياً ومحققاً العلاقة بين الشعر والسرد معتمداً على تحليل نص شعري قديم تحليلاً سردياً ومتوقفاً عند مصطلحات السرد العربي قديماً وحديثاً بغية رسم إطار عام للسرد العربي.
أما الفصل الثاني فتناول “المكان السردي” حيث يعالج المكان متتبعاً رحلته من الواقع إلى الفكر ومن الفكر إلى الفن السردي ومحاولاً تحديد مفهوم المكان الروائي ورسم ملامح له من خلال أبعاده المختلفة الجغرافي والنفسي والهندسي والفيزيائي والتاريخي والعجائبي والاجتماعي.
وكان موضوع الفصل الثالث “تقنيات المكان وجمالياتها”، حيث يساير حركة المكان وبداية فاعليته في النص الروائي وعلاقة السرد والوصف بالمكان ومحاولاً رسم جماليات خاصة للمكان من خلال بعض أشكاله.
أما الفصل الرابع فتعرض لـ”المكان في الحكاية القديمة”، وتوقف عند حكاية السندباد البحري من ألف ليلة وليلة بوصفه حكاية قديمة يكشف من خلالها عن إستراتيجية المكان من خلال خطين أساسيين: – السندباد في المكان: ويتتبع حركة السندباد في أمكنته المختلفة – المكان في السندباد: وهو يكشف عن ذلك الأثر المكاني على السندباد بعد انتهاء رحلته عبر أمكنته المتعددة.
وجاء الفصل الخامس يحمل عنوان “أيام الإنسان السبعة”، وهو فصل يعتمد على رؤية المكان في النص الروائي بعد رحلة قطعها البحث عبر الرواية العربية على اختلاف كتابها واتجاهاتهم ومذاهبهم ومحاولة رؤية المكان بصورة خاصة بعد معاشرة طويلة لأكثر من أربعين نصاً روائياً عربياً. الثاني: الاقتراب من نص حديث يكون مقابلاً للنص القديم الذي طرحه البحث في الفصل السابق محاولاً الكشف عن اختلاف المنظور والفاعلية لهذه الإستراتيجية المكانية.
ثم تأتي الخاتمة طارحة نتائج الدراسة، ويقول الضبع “البحث في خطته هذه لم تغير كثيراً في ملامحه عما ظهر للمرة الأولى بوصفه رسالة علمية أعدت للحصول على الدكتوراه في الأدب العربي وعلى الرغم من نصائح بعض الأصدقاء أن أغير ملامحه ليغاير صورته الأولى فإن شعوراً متمكناً بالأبوة نحو مولود شق طريقه ليس من حقنا أن نغير في صفاته؛ لذا بقي على صورته باستثناء المقدمة وبعض الملاحظات التي أسداها بعض النقاد “.
كتاب “استراتيجية المكان.. دراسة في جماليات المكان في السرد العربي” للدكتور مصطفى الضبع، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.