/ن أعمال التشكيلية امباركة زيدان.
مختارات

رجل بلاو طن ….الثقافة الغائبة

.

نزار كريكش

 .

كتب الكاتب الآمريكي إدوارد هيل (١٨٢٢-١٩٠٩) قصته القصيرة بعنوان : رجل بلا وطن ، كتبها في غضون الحرب الأهلية الأمريكية حيث نشرت سنة ١٨٦٣. (الحرب الأهلية الأمريكية ١٨٦١-١٨٦٥) ، وتحكي القصة عن آحد جنود المارينز الذي اتهم بجريمة سياسية حين لعن أمريكا في شجار مع أحد زملائه، ولكنه عاود اللعن أمام القاضي وطلب آن لا يعود إليها، فقرر القاضي أن يحكم عليه آن يبقى على ظهر سفن الأسطول الآمريكي وأن لا يطأ تراب الوطن بقدميه، أو أن يسمع ولو خبراً واحداً عن أمريكا .

وفعلا عاش “نولان” على ظهر السفينة ولم يسمع ولوخبراً واحدا عن وطنه ، ومنعت عنه الرسائل والصحف والمجلات ، وطلب من طاقم السفينة أن لا يخبروه عن وطنه شيئاً. وانتقل من مكان إلى مكان مع الأسطول الأمريكي ، وظهرت شجاعته ومحبته لوطنه أكثر من مرة وما ذاك إلا لكفاءته التي ظهرت في وقت الأزمات .

وبعد سنين بدأ الحزن والأسى يبدو على محياه ، وعندما قابل شاباً في مقتبل العمر لم يلعن وطنه قال له ” اسمع ولدي …وراء كل ماترى من أناس وموظفين وحكومة وشعب …وراء كل ذلك وطن ، وطنك ، عليك أن تشفق عليه كما تشفق على أمك و أن تقف معه كما تقف مع أمك.

وبعد أن عاش عمره على ظهره السفينة وليس في وطنه جاءه قائد السفينة ودخل غرفته وهو على فراش الموت فماذا وجد ،؟ وجده وقد رسم كل رموز وطنه النجوم والنسر والشوارع والأزقة و كل شئ. هنا ذرفت الدموع. وطفق القائد يحكي له الأخبار عن التاريخ عن الوطن إذ كانت مدة الحكم قد انتهت.

لا أدري لم توقفت الثقافة عندنا بعد التحرر ، فلم نعد نسمع قصصاً ، شعراً، أو نري مسرحاً…. حجم الطاقة السلبية التي نراها من جراء السرد والتحليل الجاف والاكتشافات التي يجتهد البعض آن يكتشفها عن الإبداع في الفساد الذي نسمع عنه ، كل ذلك يريد طاقة إيجابية تعود بنا إلى أسس لا تنسينا آهدافنا الكبرى وغايتنا الآسمى .

هذا الغياب وهذه الطاقة السلبية إنما تعبر عن ظاهرة انفصال الحكومة عن الناس ، كما قال نولان لأحدهم في القصة ، فلم يعد الوطن يحضننا بله كسير جريح لم يكفه أن استباحت آرضه يد الظلم ، حتى أنّ من كثرة ما يرى ويسمع الحكومة التي لا تثق في وعي شعبها تولًّد الريبة في عقول الناس وتبدو العلاقة بين الأثنين كالعلاقة بين المحقق والمتهم ، والشعب الذي لا يعرف مايجري حوله سيكون طاقة سلبية تعطل فعل الحكومة وكل خططها ، وهكذا في زحمة الاتهام والريبة يضيع شئ آخر وراء الحرّاس والخطط والإجراءات والاجتماعات والمظاهرات والاعتصامات ….يضيع الهدف الغاية والحلم …تلك اللحظة التي لا تعرف الحكومة ماذا تفعل ؟ ولا يعرف المقاتل لم قاتل ، ولا المقتول لم قتل ، ولا يعرف الناس لم حدث كل هذا الألم ؟ .

من يرجعنا إلى أوطاننا وأحلامنا؟ إنه المبدع الذي ينسينا الألم ، إنه صاحب الحس الذي ينقل لنا حب الوطن في صوته الشجي ، إنه خيال المسرح يحبب لنا الحياة .

هذه دعوة صادقة للأمل ، ودعوة صادقة لتغيير نبرة الخطاب ، فمن يفهم أن النقد والتحليل السياسي هو عملية مستمرة من نشر اليأس فهو مخطئ ،فليس من البلاغة في شئ أن يقال كل شئ في أي وقت وفي أي محفل وليس من الحكمة في شئ أن نكرر أنفسنا إلى حد السآمة ، وليس من المعقول أن يقاد الإعلام عندنا بلا خطة وبلا هدف ، أولئك الذين يبنون مستقبلهم على حساب آوطانهم عليهم أن يراجعوا أنفسهم ،فمستقبلنا هو في نجاح أوطاننا في نجاحنا في أداء الآمانة التي قبلنا بها وإلا ستسألنا السهول والجبال والوديان لم قبلتم اذاًً تلك الأمانة .

والإعلام أمانة ولابد من وجود أهداف محددة تنظر إلى الأمور نظرة متكاملة ولا تجزّئ الخطاب وتنسى الأهداف الكلية في غمرة البحث عن الإثارة ، ولابد للمبدعين أن يظهروا على الساحة ، فكما احتفظ التاريخ بقصص وروايات كثيرة ساعدت في الحث على الوحدة وحب الوطن كما في قصة إدوارد هيلن رجل بلا وطن سيحتفظ التاريخ بأعمالهم :أعادت للناس الأمل وصاروا يجدون كرامتهم على أرض الوطن .

عن موقع ليبيا اليوم

مقالات ذات علاقة

سنة الزلزال

أحمد يوسف عقيلة

التيه.. وتناقض الفكر.. والواقع والمطالب

المشرف العام

مزولة السرايا الحمراء

المشرف العام

اترك تعليق