من أعمال التشكيلية الليبية .. خلود الزوي
قصة

بِــنْـتُ الشَّـمْــسِ ..

من أعمال التشكيلية الليبية .. خلود الزوي

 

ـ “يا صفراء ” .. غضبت .. بكت بحرقة .. بكل ما أوتيت من نحيبٍ .. لأن شعرها أشقر .. عَيَّرَتها زميلاتها بصفرتها.. قالت لها إحداهن :
” كأنك برتقالة ” وقالت الأخرى ” بل كأنها شمس الصيف “.. هدهدها البكاء .. تَوَسَّدتْ حقيبَتَهَا .. أغراها الحزنُ بِالنَّوْمِ .. اقترحَ عليها الارتماءَ في أحضانِهِ المخدِّرة.. استسلمت لإغراءاته ..انحنَتِ الشَّمْسُ على رأسِها .. قَبَّلَتْهَا .. أجرت يَدَهَا على خصلاتها المتكاسلة .. طَفِقَتْ تَمْشُطُها.. صار شعرها يتراقصُ مع هَبَّات النسيم المغازلة ..جدلت الشَّمْسُ شعرَهَا ضفيرتينِ من أشعَّةٍ .. أعجبها اصفرارُهُ .. أغرتها اللجَّة الذهبية البرَّاقة ..
قرَّرَتِ الاختباءَ فيهِ هربًا من أعينِ النَّاِس ومطاردة الليل .. تدثرت به .. وشى النسيم بها حين داعب الشعرَ العسجديَّ المدهشَ .. انتشت بعطرٍ ينثال من بينَ الضفائر .. تقافزت بين الضفيرتين.. اتخذت منهما سُلَّمًا ممتدًّا إلى كُنَّاسِهَا .. رفضتِ الرُّجُوعَ إلى بيتها .. شعرت كأنها منذ زمنٍ بعيدٍ كانت تخطئُ الطَّريقَ لبيتِهَا..

ـ بكت الشمس .. صحت الصغيرة .. أفزعتها قطرات الدمع الذهبية الساخنة تلثم خَدَّهَا.. قامت مذعورةً .. ذُهْلَتِ الشَّمْسُ .. التصقت بالجدائل الذهبية .. تَسَلَّقَتْهَا .. احتضنت ضفيرةً بين ذراعيها.. التفت بها .. رويدًا رويدًا كانت تَصَّعَدَ نحوَ السَّمَاءِ .. امتلأتِ السَّمَاءُ بِالنُّورِ .. تَبَسَّمَت وَسْطَ الظُّلْمَةِ فجرًا ضحوكًا … أوقدت مَصَابِيحَهَا .. بدت كأنها تقيم عرسًا .. توسَّطت السماءَ.. كانت عروسًا .. احتفت النجوم بها.. زَفَّتْهَا للقمرِ .. كَانَ عرسًا مشهودًا.. عاشَتِ السَّمَاءً ليلةً مضيئَةً.. وَزَّعَتْ فيها الكواكِبُ عناقيدَ الضِّيَاءِ عربونًا للفرحِ .. تَوَضَّأَتِ الحَيَاةُ بِالنُّورِ.. اِنحنَتْ صَوْبَ الأرضِ، كانت تبدو كرغيفٍ محترقٍ .. نظرت إلى شارعهم .. لمحت صديقاتها ..كن يتغنين بفرح ” يا شمس يا شموسه .. يا أعوينة العروسه..! ” لَوَّحَتْ لَهُنَّ مُحَيِّيَةً .. رَفَعْنَ رؤوسَهُنَّ نحوَهَا .. صَاحَتْ إِحْدَاهُنَّ تُنَاكِدُهَا : ” يا صفراء… ” يا برتقالة …” قالت الأخرى، بكت بحرقةٍ حتى التهبَتْ عَيْنَاهَا .. احتضنَتْهَا الشَّمْسُ .. وَسَّدَتَها حِضْنَهَا .. مَسَحَتْ على شَعْرِهَا اْلمتُسَلِّلِ نحوَ الأرضِ .. نامت .. رأتِ الأرضَ في حُلْمِهَا .. بَدَتْ لها مُتَيَبِّسَةً كعجوزٍ تخوضُ في أَوْدِيَةِ الظَّلامِ..!!

____________________________

عن مجموعة: صِفْرٌ عَلَى شَمَالِ الحُبِّ، قِصَصٌ قَصِيرَةٌ، دار البيان، بنغازي 2003م.

مقالات ذات علاقة

النملة

أحمد يوسف عقيلة

طفولة

جمعة الفاخري

الوجبة

فتحي نصيب

اترك تعليق