الأستاذ يوسف الشريف
قراءات

يوسف الشريف

مدرستي الاعدادية بمصراتة منحت اذاعتها المدرسية برنامجا كنت اقدمه فيها جائزة، كانت عبارة عن ثلات كتب ليبية، هي البحر لاماء فيه لاحمد ابراهيم الفقية وتمرد لخليفة التكبالي والجدار ليوسف الشريف، عرفت انها كانت الكتب الحاصلة على جائزة الفنون والاداب الليبية عام 1968م، من منحني تلك الجائز كان “الاستاذ محمد حسونه” وهو ازهري على ما اعتقد وكان المشرف على الاذاعة.

الكاتب الكبير يوسف الشريف.
الصورة: عن الشبكة.

كان جدار “يوسف الشريف” يحوي قصص يوسف الشريف الاولى، كان ابطال القصص يشبهون المدرسين الذين يعلموننا والموظفين الذين نراهم كل يوم ذاهبين الى مكاتبهم او عائدين منها، كذلك كان هنالك العمال والفقراء، كانت قصص مدينة، واقول الان انها كانت رصدا بارعا لتحولات المجتمع الليبي في تلك الفترة نحو الاستقرار والتمدين، والاهم انها كانت قصص طبقة ليبية متوسطة تصعد سلمها الاجتماعي بالتعليم وهو “راس المال” الليبي الجديد الذي بدأ يغير خارطة التموضع الاجتماعي ويخوض ثورته ليستلم زمام الامور، قصة الجدار وهي بيت قصيد قصص يوسف الشريف الاولى كانت رصدا لذلك التحول وللتموضع الاجتماعي الجديد الذي صنعه “راس المال الجديد” التعليم… فبطل القصة الذي انتقل من المدينة القديمة بعد ان تخرج وتعين موظفا الى احد احياء طرابلس الحديثة، وامتلك سيارة ولبس بدلة انيقة، يأتي لزيارة شارعه القديم فيصدم بالجفوة وعدم القبول من جيرانه ويرى جدارا يبنى بينه وبينهم، بين حياته القديمة والجديدة، كان يوسف الشريف في تلك الفترة وتلك القصص ينظر خلفه غاضبا ويبني وكما جيله بينه وبين ذلك الماضي جدارا يحصن المستقبل الذي يريدون من أوهام وامية وفقر وتخلف ذلك الماضي، كان الشريف وجيله محصنين تماما من كل افات النوستالجيا” او الحنين الى الماضي بكل اشكاله.

كان الشريف وجيله قد حسموا امرهم واختاروا التحديث والانفصال تماما عن الماضي، لذا لم اجد ليوسف الشريف صورة تلخصه الا صورته وهو ينظر خلفه غاضبا، هكذا ارشفت صورة الشريف في ذاكرتي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وظللت اقرأ ماينشر على هذا الاساس.

لم التق الشريف واراه لحما ودما واعصابا وتوترا وشعرية واحلاما الا في تسعينيات القرن العشرين، كان الرجل ودودا وحادا ايضا وبسيطا كبيت شعر، يراني فاشلا في الحياة ويمنحني العشر دنانير، “يشتمني واضحك” كما يقول عنه “عمر الكدي”.

يوسف الشريف الذي ارشفت صورته في ذاكرتي وهو ينظر خلفه غاضبا طوال عقدين من الزمن قبل ان التقيه، وارتبط عندي بالانجليزي “جون اوزبرون” صاحب مسرحية “انظر خلفك غاضبا” والتي مثلت رؤية جيل كامل لمن سبقهم ورفضهم لارث تلك الاجيال السابقة، اعرف الان انه يختلف تماما عن “اوزبرون” رغم النظرة الغاضبة، فأزبرون كان ينظر الى النخبة التي سبقته غاضبا اما يوسف الشريف فكان ينظر الى مجتمع كامل ونمط حياة قديم يحاول البقاء ويتمترس بقيم قديمة، كان مشروع التحديث هم الشريف وجيله وكان الخروج من اسر الماضي معركته التنويرية الهامة والمصيرية.

التحولات الليبية التي عاشها يوسف الشريف عبر عقود التاريخ الليبي التي اعقبت “الجدار” بدت كمتاهة، كرحلة تيه عبرصحراء قاحلة، فالليبيون ومع اشقائهم العرب وبعد هزيمة يونيو دخلوا مفازات الشتات الحضاري، ولم يعد يجمع شتاتهم غير ذلك الحنين للماضي، تلك النوستالجيا الجارفة، وتحول ابطالهم الرومانسيون الثوريون الى هامشين يبكون على الاطلال.

كان تحولا هاما قد بدأ في ثقافة المنطقة واهم اركانه كان شعار العودة للذات وفتح صندوق التراث واخراج مافيه من جواهر وتمائم واحجبة وتعاويذ لمواجهة العصر الذي نال منا وجرح نرجسيتنا الحضارية وكان قربان مأتم التحديث ذاك “طبقة متوسطة رأت في التعليم والتحديث راس المال الاهم”.

اثر كل هذا لم يكن امام يوسف الشريف وجيله الا ان ينظر ليس خلفه فقط غاضبا، بل ان ينظر غاضبا في كل اتجاه.

مقالات ذات علاقة

الحُلم في “زَهرةِ الرِّيح”

يونس شعبان الفنادي

محمد العنيزي… عن المدينة والبحر وقصص من بنغازي (3) والأخيرة

سالم قنيبر

عز الدين اللواج في رؤيته لإشگالية “الخانق والمخنوق”

المشرف العام

اترك تعليق