يوم أشترى لي أبي في ذلك العيد بالوناً أحمر اللون لم تسعني الفرحة.. كان عيداً مختلفاً بفرحته عما سبقه من أعياد, شعرت يومها أنه ليس فيّ ذرة واحدة تخلو من الفرحة, أو ليس لديّ مكان يتسع لفرحة أخرى.. كان بالوناً أحمر موشحاً بخطوط زرقاء حين أخذته منه وصرت أنفخ فيه, وصارت الخطوط تزداد ضخامة أمامي.. نفخته حتى أفرغت كل ما في جوفي وأعطيته له ليربط فمه, وهكذا فعل وأعاده لي, فحملت البالون لألعب به مع الأطفال.
كان يومها الهواء يجري في أزقة القرية إذ وفي غفلة مني انفلت البالون مع الهواء وفات يجري أمامي وأنا خلفه.. وشيئاً فشيئاً صارت المسافة بيني وبينه تزداد, فينعطف مع كل منعطف ويستقيم حين يستقيم الزقاق, وأنا خلفه أجري على الأرض وهو فوق الأرض قليلاً يطير مع الهواء, وأن خلفه أبكي وأجري حتى اختفى البالون واختفت الفرحة معه.
عدت يومها إلى بيتنا وأنا حزين كل الحزن.. عدت وبعد كل ثلاثة أو أربعة خطوات أقف وأنظر خلفي.. عدت ولم أعرف أنني حين كنت أنفخ البالون, كنت أفرغ الفرحة من جوفي وأصبها فيه.. عدت ولم أكن أعرف أن الفرح شيء يمكن حمله أو نقله من مكان إلى آخر.. عدت ولم أكن أعرف أن الفرح شيء يمكن أن نأخذه من فلان ونعطيه لعلاّن.. عدت ولم أكن أعرف أن الفرح شيء ككل الأشياء يمكن أن يولد وينمو ويكبر فينا, و يمكن أيضاً أن ينفلت ويفرّ مع الريح إلى حيث لا رجعة.
لم أعرف كل ذلك, أعرف فقط أنني كنت أجري خلف بالون أحمر يحمل على ظهره خطوطاً زرقاء ضخمة, وأن الطفل الذي سيصادفه في طريقه سيصادف أيضاً فرحتي التي طار بها الهواء بعيدا عني, ولو اعترضت طريق ذلك البالون شوكة قبل أي طفل كان, حينها سينفجر بخطوطه الزرقاء وتتلاشى الفرحة منه إلى العدم.
سمنو: 3/4/2009