«التأريخ لآلهة منسيّة» عنوان لسلسلة مقالات سطرها الكاتب الليبي سالم محمد، يجمع فيها سيرة حياة الإله اللواتي الليبي القديم «قـُرْزِلْ» وعلاقته بالعادة الليبية المستمرة حتى الآن وهي ذبح الخراف عند الانتهاء من بناء المنازل، العادة أو التقليد القريب من «القرابين» التي كان يقدمها أجدادنا القدماء للآلهة الغاضبة طلبًا لرضاها.
وهي مقالات من ثلاثة حلقات وإن توغلت في الشق العقائدي، إلا أنها تطرقت أيضًا إلى وصف الشعوب القديمة من الجانب الميثولوجي والإثنولوجي والإثنوغرافي.
يقول محمد: «من المادة التاريخية المتوفرة لدينا نستطيع التأكيد بأن الديانة المحلية قد انتشرت بين معظم الليبيين في الفترة التي تم فيها أيضًا نشر المسيحية في برقة وطرابلس وفزان.
وتؤكّد الحفريات والبحوث التاريخية والآثارية الحديثة بأن الديانات الليبية القديمة كانت قد تأثرت بالعبادات التي جلبها الفينيقيّون معهم بعد الاحتلال الآشوري للبنان والهجرات الجماعية من الساحل السوري إلى مختلف أقطار البحر المتوسط..
هل قرزل الليبي هو الموازي الذكري للآلهة تانيت التي جلبها الفينيقيون معهم من سواحل سورية وفلسطين، أم هو بعل حمون الفينيق نفسه؟».
من هو«قـُـرْزِلْ»؟
يعرفه الكاتب بأنه: «رب اللواتيين الأكبر، وهو إله جبار يسكن الظلمة، يظهر في هيئة ثور نطاح، يحمل قرص الشمس فوق رأسه ويحيطه بعناية قرنيه الكبيرتين، آخر آلهة لواتة المقدسة الذي أنقذهم من عسف الرومان ومن اضطهاد الكنيسة الكاثوليكية ونصرهم في حروبهم ضد الوندال، وهو بالنسبة لليبيين القدماء حامي حمى البيوت الذي تقدّم له القرابين، وهو رب الغيب ورب المعرفة».
كما أشار الكاتب بعد بدن ميثولوجي طويل إلى رأي بعض المؤرخين المعاصرين الذين يقولون إن سكان شمال أفريقيا قد استوردوا جُلَّ دياناتهم من محيطهم الخارجي باستثناء ديانة واحدة هي عبادة الرب قرزل عند الليبيين الشرقيين، أو شعوب لواتة القديمة، ويذكرون أيضًا بأن هذا الإله لم يكن من صلب ليبي مئة بالمئة، فقد ولد بعد زواج الإله المصري الأعظم «آمون» لبقرة ليبية؟ والدلائل التاريخية تؤيد الاستنتاج بأن البقرة آلهة محلية هي الأخرى.
لواتة
وصف الكاتب التداخل والعلاقات الناشئة بين البشر والحيوانات والجان والأرواح السفلية والعلوية، تشترك كلها في مناسبة طقسية مهمة، تبدأ باللقاء حول وجبة دسمة، وتأدية طقوس موغلة في القدم، وهو اتفاق بين المعقول واللامعقول، ومن علاقة المعاشرة بين المعقول المحسوس واللامعقول المتخيل، ظهرت الديانات القديمة، ومنها الديانات الوثنية الليبية التي قال عنها محمد إننا ما زلنا نخفي ممارسة بعض من طقوسها.
يعد الإله الثور قرزل من أهم الآلهة التي كانت تقدس في مدن وأرياف لواتة، وخير مثال لحظوة قرزل لدى اللواتيين، هو تقديمهم أطفالهم قرابين له لنيل رضاه، وبالرغم من تعطشه لدماء القرابين البشرية، كان أيضًا يسمى بحامي الأطفال!.
أجبرت فظاعة النحر الطقسي للأطفال الكهنة والحكام والمشرعين على استبدال القربان البشري بخروف، ومع الفقر الشديد صار العامة والفقراء ينحرون الخراف والماعز والدجاج.
كما أشار المؤرخ المصري كاسموس، إلى اعتناق الليبيين والبنتابوليس والجرمنت والطرابلسيين المسيحية البيزنطية بعد خراب لواتة بأمر إمبراطوري رسمي.
انتهى استخدام المؤرخين لاسم لواتة، أو ذكره بعد الاحتلال البيزنطي لليبيا وانتشار المسيحية فيها، وبدأت تظهر أسماء جديدة لقبائل ضعيفة متهالكة ومجزأة، لكن عبادة الآلهة الليبية لم تندثر كليًا.
وما يؤكد ذلك أحد أشهر المؤرخين المسلمين الذي أشار إلى ظاهرة عبادة صنم يدعى «قرزل» بين الليبيين الطرابلسيين في القرن الثاني عشر الميلادي، أي تقريبا منذ 800 سنة مضت.
كما لوّح الكثير من الرحالة العرب ورجال الدين المسلمين إلى العادات الليبية القديمة والفريدة مثل طقوس النوم الوثنية عند قبور الأجداد والأولياء الصالحين، والاستماع إلى نصائحهم عندما يزورونهم في عالم الأحلام.
وفي ردة فعل رافضة للديانة المسيحية من قبل لواتة تمكنوا من التعايش مع الدين الجديد «الإسلام» لنجاحه في تلبية متطلبات البدن الثقافي والروحي لسكان لواتة.