عبد العزيز الزني
في حوزتي الآن، وكعادتي دائما مذ بدأت علاقتي بهذا العالم قصدتُ عالم الكتبْ، أجدني (أحتفلُ وأحفلُ وأطربٌ) بوجود كتاب جديد بين يدي، ويزداد هذا إذا ما كان إصدارا جديداً، كما هو الحال مع ” عيون طرابلسية” لكاتبه الصديق الشاعر عمر عبد الدائم، وقد أهدتني إياه “مكتبة طرابلس العلمية العالمية “بيد الأخت الفاضلة، فاطمة حقيق صاحبة المكتبة ومديرتها مشكورة.
وملمحاً من ملامح احتفائي بالكتاب، تراني الآن و برفق مغتبطا أقلبه بين يدي، متطلعاً و باهتمام “العيار” في سوق الذهب إلى حجمه، غلافه، لوحة الغلاف، العنوان، الخط، ثم أسارع إلى الفِهرسْ، الذي يطيب لي أحياناً، تسميته بقائمة الوجبات لأعرف المحتوى، وأطمئن على الدسامة، ما ذكرت يدخل من ضمن ما اصطلح على تسميته بعتبات الكتاب، و لا أنسى و نحن في هذا الاتجاه المقدمة، و التي من شأنها أن تنبهك إلى ما ينبغي التنبيه له، و ربما اقترحت بعضا من مقترحات، يحتاجها القارئ عبر و لوجه عالم الكتاب، و بالنسبةِ لي غياب المقدمة نقيصة . على كل حال، تغريك لوحة بشير حمودة على الغلاف، بالوقف عند زاوية النظر، بما يوحي بدقة الراصد وحرصه وحذره أيضا، وهذا يحسب لحمودة. وإن كنت لا اعتقد أنها رسمت لهذا الغرض. في المقدمة الكاتب قدم مجموعة من الاحترازات، تتعلق بالشخصيات، وبمواضيع الكتاب، درءا لأي التباس، قد يقع فيه القارئ، وهذا أمر طيب ودعم هذا “بحيرة أخذت منه كلّ مأخذ حين بدأت فكرة الكتاب تراوده “ونراه يفتتح مديحه للحسناء” متاوها “أوّاااهُ أويا…” كم تأخر اللقاء حبيبتي…” ثم يمهد مرة أخرى بحديثه عن المكان، بما يوحي أنه ومذ قدومه إلى طرابلس حتى وإن كان متأخراً إلا أنه صار يعرف عنها الكثير بما يطمئن القارئ عن علاقته المتينة والممتنة بها، حتى رأى أنه حقَ له دونما حساب لغيرة، وقد صار جزءًا منها كما هي جزء منه، أن يصفها بـحبيتـي. ثم ماذا رصد الراصد؟
عشرة أسماء عَرف أصحابها و تَعرف عليهم أو مُتُنتْ علاقته بأصحابها حين قدم إلى طرابلس، إضافة إلى مواضيع أخرى متنوعة، بينها ما تمحور حول مكان أو جاءت ترجمة لمشاعر وأحاسيس عاشها صاحب الكتاب، منها ما كان عاصفا، كما هو الحال مع البئر، و أخرى غير ذلك، سيقف عليها القارئ بنفسه، إذ ليس لي أن أنقل المحتوى إلى هنا، ففي هذا إقصاء للقارئ لا ارتضيه… و قد صُفتْ مواضيع الكتاب على اختلاف مشاربها تحت مسمى ” عيون طرابلسية ” العنوان حتى و إن كنت لا تعرف الكاتب، يُوحى إليك بأنك مُقدمْ على دوان شعر، أو مغامرة عاطفية، و يصح الإيحاء مع الصفحات الأولى، فعملية السبك تتم أو تمت داخل أودية عبقر، فيشدك الأسلوب بغناه، وتغْطيةً حتى وإن كانت أحيانا مقتضبة، إلا أنها تحقق تكامل المعلومة التي تصل إليك..
أما ما اختاره من عيون، نرى أنه أقصدُ الكاتب قد اتكأ في اختياره، على ما تحقق له من مغنم، عَبْرَ و بسخاء عن عظيم مكسبه و عظيم سعادته و غبطته بتواصله معها، و تعرُفه عليها، و مخالطتها، و من ثم ارتباطه الوثيق غير القابل للفصم أبداً معها، حتى ليحق لك القول أحينا أنك تحسده، عفوا قصدتُ تغبطه، و ربما تمنيتَ لو تحقق لك مثله، و لكن هيهات فلكل قدراته، و ما يسر له، و رغم أني قد عرفتُ و صارت لي علاقة مع جلّ الأسماء التي ذكرها، و ترددتُ على نفس الأماكنْ، إلا أنه يبقى اختلاف ظروف التعرف عليها و زمن التواصل معها، و إن اتفقتُ معه في ما ذكره من ايجابيات جمة تحققت، فيصبح الثناء علي هذه العلاقات و مباركتها لما مثلته من فرصة طيبة قلما تحدث و قلما تتكرر أمر حريٌ بأن يدون و يثبتْ، و ها قد فعلها شاعرنا ابن و أبو عبد الدائم، رعاه الله و متعه بالعافية … فهو عندما تحدث عن الراحل الأستاذ الكيب رحمه الله،انطلق في حديثه من تلك المكالمة التي استقبلها ذات يوم من ” الكيب ” ليعلن له عن إعجابه الشديد و احتفائه بقصيدة “سيد الّدّهشات” فيقول : ” تلك المكالمة كانت عندي ذات معانٍ أكبر من ذلك بكثير فأن يحفل رئيس بشاعر من داخل البلاد و يتصل به مهنئاً فهذا في حد ذاته انتصار لقيم الجمال ” فهل من لا يوافقه في هذا، فالرجل أقصدْ الكيب و كما عرفته أهلا لهذا، و الحال ذاته يتكرر حين يأتي للحديث، عن أستاذه كما وصفه، الشاعر عبد المولى البغدادي رحمه الله، و بالطبع كان المدخل هنا من بوابة الشعر، إذ كتب فيه أربع قصائد، فكانت “أربع قصائد في رجل واحد ” كما سيرى القارئ . و لي أن أقول : عبر الكتاب و حتى أخر صفحة حضرت المتعة، و قُدمت المعلومة و الفائدة، فهذه المحطات مثلت لحظات مهمة في حياته، رغم تأخر تحققها، فقد أبانت للقارئ، شغفه غير المحدود بعالم الكلمة، و إدراكه لسر الحرف، و القصيد، و الأدب و المعرفة بشكل عام، و أبانت أيضا عن تمكنه من السرد، حتى أكد أن أهمس في أذنه، مخافة الغيرة من الآخرين الباب مفتوح أمامك نحو الرواية و القصة، و لا أستبعد أن هناك من سبقني إلى هذا،، و هكذا و على هذا المنوال نُسج الكتاب و رُسمت عيونه، و هنا و قد أدركت شهر زاد الصباح و سكتت عن الكلام المباح، أترك القارئ .. ليرحل معه نحو، برج طرابلس الأسمر، بعد وقفة مطولة وغنية مع حارس الفصحى رحمه الله، وإطلالة رائعة عبر عدسة مؤرخي اللحظة الكانوني وأبو الديب، وإطلالة أخرى مع ساحر الواحة من استلم دونما تردد رسالة من ميت، وبعد هذا لابد من استراحة جميلة متميزة بين جنبات مكتبة طرابلس العلمية العالمية، وسط جداول المعرفة، وهنا تروي لك الروائية السيدة عائشة بجمال أسلوبها ودقة تعبيرها حرب الغزالة، وتُهدى حقيبة لا تحمل دفاتر كره. ثم نقف هنا.. لنقدم التحية للشاعر عمر عبد الدائم.
..29/1/2022م / طرابلس