وجه مؤسس المركز الوطني للمأثور الشعبي، الدكتور علي برهانة، نداءً إلى الجهات الرسمية في البلاد من رئاسة وزراء ورئيس المجلس الرئاسي ورئيس الهيئة العامة للثقافة للالتفات لهذا الصرح الثقافي والتراثي العريق.
وتحدث برهانة بتأثر لما وصل إليه حال المركز، وقال في حواره مع «بوابة الوسط»: «للأسف الشديد هذا المركز لم يمارس مهامه التي تأسس من أجلها منذ العام 2012، وغياب الأمن في المنطقة أحد أهم الأسباب لعدم عودة عمل المركز إلى سابق عهده، إضافة إلى أنه مفتوح فقط كمصدر للرزق وصرف الأموال للعاملين فيه، والأنكى من هذا وهو الأمر الذي يخيفني ويقلقني تولي شخص غير ذي اختصاص لإدارته، الأمر الذي كان سببًا في زيادة عدد الموظفين من المحسوبين عليه ولهذا حاد المركز عن دوره الأساسي في بداية التأسيس».
وعن المركز بشكل عام، قال: «المركز يقع في مدينة سبها وهو معني بالحفاظ على الموروث الليبي بشكل عام، ولم يقتصر على منطقة معينة فقط، يوجد به تسجيلات لآلاف الساعات الصوتية والمرئية المسجلة حول الموروث الليبي، إضافة إلى مكتبة للدراسات الحديثة في التراث الشعبي، كان في السابق يستفيد منه طلبة الدراسات العليا في التجهيز لرسائلهم، إضافة إلى استغلال قاعاته لتدريس طلبة الدراسات العليا في علم الاجتماع والتاريخ واللغة العربية، وكذا وجود مقتنيات تراثية قيمة من الحُلي والفضة والملابس الشعبية والتراثية والمشغولات السعفية والطينية الأغاني الشعبية لكل مدينة، المالوف، الرقصات الشعبية وغيرها».
وأضاف أن المركز كانت له في السابق عدة برامج تدريبية مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» للتدريب، وبرنامج «الكنوز البشرية» عن أشخاص يحملون التراث ويحافظون عليه بطريقتهم التقليدية وينقلونه إلى غيرهم كنوع من الحماية له، كذلك كان هناك القائمة الوطنية للتراث.
وعن تأسس المركز، أوضح برهانة أنه اعتُمد بقرار من اللجنة الشعبية العامة عام 1997، واختيرت المنطقة الجنوبية مقرًا له نتيجة لما تزخر به من تراث أصيل، متوارث عن الآباء والأجداد وثقافة تراثية كبيرة في جميع مجالات الحياة سواء على صعيد التراث الشفوي أو التراث المادي، إضافة إلى أن مدينة سبها تعتبر المركز لبقية قرى أو مناطق الجنوب.
وأجمل مؤسس المركز أهداف تأسيسه في المحافظة على التراث الشعبي الأصيل، وتشجيع الصناعات التقليدية وتطويرها بما يواكب العصر، وجمع و تسجيل وتصنيف مختلف ظواهر التراث الشعبي وفق طرق وتقنيات التدوين والتوثيق الكتابي والسمعي والبصري والمادي لحفظها من الضياع و الاندثار، ومعالجة وإعداد المواد التراثية الموثقة بمختلف أنماطها إعدادًا علميًا دقيقًا لتكون عونًا للدارسين والباحثين المختصين في مجال التراث، وتشجيع البحث العلمي في مجال التراث والمأثورات الشعبية ووضع المخططات التدريبية واعتماد مناهجها وإقامة الدورات وعقد الحلقات الدراسية والندوات والمؤتمرات التخصصية، وإقامة العروض والمهرجانات الشعبية والمعارض والمتاحف، وتقديم الاستشارات الفنية اللازمة في مجال التراث، وإعداد الموسوعات المرجعية للتقاليد والعادات الشعبية والمعمار والحرف والأدب والموسيقى والآلات والغناء الشعبي، واقتراح مشاريع اتفاقات التعاون والتبادل مع المراكز والجامعات والهيئات والمؤسسات والمنظمات المحلية والعربية والإقليمية والدولية المتخصصة في مجال التراث، ونشر الثقافة والفنون التراثية الشعبية بمختلف الوسائل الكتابية والسمعية والبصرية والإلكترونية بإصدار النشرات والدوريات والمجلات والكتب المتخصصة ومحاربة تشويه التراث الليبي في أي صورة كانت.
كما كانت تصدرعن المركز مجلة «تراث الشعب» وهي مجلة فصلية متخصصة، وتصدر كذلك عن المركز الوطني للمأثورات الشعبية صحيفة «المأثور الشعبي» وهي أول صحيفة ليبية تعنى بالتراث.
أما بخصوص استبعاده من إدارة المركز، فقال الدكتور علي برهانة: «أنا متحصل على درجة الدكتوراه في الأدب الحديث وقدمت رسالة مقارنة في الأدب الحديث والموروث الشعبي، وكنت عميدًا لجامعة سبها للأسف وبعد سبع سنوات من عمر الثورة الليبية وحالة التشظي والفرقة التي وصلت إليها البلاد ورفع شعار المصالحة الليبية على أرض الواقع أنا كالكثيرين من الخبرات والأكاديميين، تم إبعادنا تحت ذريعة (العمل في النظام السابق) رغم أن عملنا كان من صلب تخصصنا ولم نعمل خارج إطارنا الأكاديمي».
وتابع: «حاولت أن أنبه الشباب الذين يعملون في المركز إلى أهمية الموجود فيه والمحافظة عليه لأنها أمانة وإرث مهم، وهناك دكتور زميل في مادة التاريخ من جامعة الزاوية هو من يشرف على الاهتمام بالمقتنيات الموجودة إلى جانب الموظفين الأساسيين، رغم عدة محاولات للنهب نحمد الله أنها لم تطل إلا بعض المكاتب الإدارية والأجهزة الكهربائية الموجودة، ومن الأشياء التي تقلقني أيضا تحول المركز إلى مجرد مؤسسة دولة مفتوحة تصرف من خلالها الأموال، متناسين دوره الأساسي المعتمد على العمل الميداني ومسح للتراث وإعادة إدماجها في الحياة العامة كالمنظومة التعليمية والتراثية والثقافية».
وعن الاتفاقيات الدولية لحماية الموروث الثقافي، قال: «وفي 2003 أبرمت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اتفاقية لصون وحماية التراث الثقافي غير المادي، والتي كنت من ضمن من صاغوها ولكن ليبيا لم توقع في حينها على هذه الاتفاقية، وفي نهاية 2010 عرضنا الموضوع من جديد على الجهات المسؤولة، وتلقينا الموافقة على التوقيع على الاتفاقية التي كانت ستعرض على مؤتمر الشعب العام في 2011 ، لكن أحداث الثورة الليبية ضد النظام أخر الأمر، لهذا أناشد اليوم كل المسؤولين لدراسة هذه الاتفاقية من جديد والتوقيع عليها للمحافظة على هذا الإرث».