إذا أردنا فعلا اخراج الوطن من هذه الحال وإعادته إلى الجادة، وكانت نوايانا الوطنية صادقة، وأعمالنا تبذل لتخليص الوطن والخروج به من هذه المرحلة علينا أن نختصر الوقت والجهد ونذهب مباشرة إلى سؤال المرحلة (ما الذي يحتاجه الوطن كي يتعافى؟) ويغادر هذه المرحلة التي طالت، ويسمو بأبنائه الذين يستحقون حياة مرفهة وكريمة في وطن يعج بخيرات الله ونعمه.
لا أدعي بأنني أمتلك إجابة كاملة عن هذا السؤال ولكنني على يقين بأن أهم ما نحتاجه كليبيين ويحتاجه الوطن في هذه المرحلة ووفق ما يعيشه من ظروف هو تنقية بيتنا الليبي من الداخل من الأحقاد والتباغض ومسببات العنف المجتمعي ،ما نحتاجه هو نزع فتائل النزاعات والتناحر بين الإخوة الأشقاء ،ما نحتاجه هو جعل مصلحة الوطن فوق كل المصالح، ما نحتاجه هو إذكاء روح المحبة والتواد بين أبناء الوطن الواحد وإبعاد كل الأيادي الملوثة الأجنبية، والليبية المجندة، لنضمن مصالحة حقيقية مبنية على مصلحة الوطن ،فلا صلاح لحالنا وحال الوطن دون مصالحة تجمع أبنائه على قلب واحد وتذيب الخلافات والاختلافات، وتعيد اللحمة والتناغم بين مكوناته الأصيلة..
فبالرغم بأن البعض يرى بأن هناك خطوات وطنية يجب اتباعها قبل التعاطي مع ملف المصالحة الوطنية منها مثلا تحقيق عدالة انتقالية يصنف من خلالها المستهدفين وفق القوانين واللوائح المعمول بها في المحاكم والمؤسسات الحقوقية وصولا لتحقيق عدالة اجتماعية ترضي جميع الأطراف المتخاصمة والمتنازعة ويبنى عليها حوارا موسعا للمصالحة.
قد لا نختلف كثيرا مع أصحاب هذا الرأي إلا أن الوقت لم يعد في صالح بلادنا ومن حولنا بلدان العالم تتسابق وتسابق الزمن لحجز مكان لها ومكانه في الخارطة الدولية الجديدة، حيث لا مكان للضعفاء والمتخلفين علميا وتقنيا وللراقصين على جثث أوطانهم.
علينا أن لا نضيع مزيدا من الوقت ونتجه إلى مصالحة وطنية شاملة مشروطة بعدم وجود أي أطراف أجنبية -قربت أم بعدت- ولا أصحاب أجندات تمس بسيادة الوطن واستقلالية مواقفه الداخلية والخارجية ولا ذوي أغراض ومصالح تضر بوحدة الوطن ونسيجنا الاجتماعي. علينا أن ننطلق من ثوابتنا المحلية لنجعل منها أدوات لرأب الصدع وإعادة اللحمة وتحقيق سلما اجتماعيا يعول عليه في بناء دولة عصرية كما يريدها الليبيون، ولنا في التجارب الدولية العديد من الأمثلة المؤكدة على أن الشعوب التي عاشت صراعات داخليه وحروب أهلية لم تتعاف وتحقق سلمها الاجتماعي إلا بإبعاد الأجنبي عن طاولة حواراتها الداخلية والاعتماد كليا على الفاعل المحلي، والمثال الأقرب لنا رواندا وتجربة “الغاتشاتشا” التي اعتمدت على تقاليد المجتمع الراوندي المحلي ونجحت في تحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء أثار الإبادة الجماعية التي حصلت بها. كما حققت أوغندا عبر تقاليد “الأشولي” المصالحة الوطنية وخرجت بشعبها من حالة الحرب الاهلية إلي الاستقرار. وتجربة الهند أيضا، وجنوب أفريقيا، وإندونيسيا ،والجزائر وغيرها من الدول التي خرجت من صراعاتها الداخلية ونزاعاتها المحلية بمصالحة اعتمدت أساليبا وطرقا وأهدافا وطنية مكنتها من إعادة اللحمة الوطنية وتحقيق استقرارها كخطوة لمواصلة مسيرة البناء والتنمية والتقدم.
الوقت الأسبوعية | الثلاثاء 6 أغسطس 2024م