تحدثت إحدى الصديقات عن جارتها الفلسطينية؛ قائلة : عندما اشتدت وطأة الصهاينة وضيقوا الخناق علينا، هاجرنا وتركنا فلسطين، أنا وأخوتي وأخواتي بعد وفاة والدي ووالدتي واستقر كل منا في بلد، أنا عشت هنا في ليبيا، وأخي وأختي استقروا في دولة أوربية.
كان زوجي طبيب يعمل في قسم الإسعاف والطوارئ، ولي ولدان وبنت، اشتغلت بالخياطة لأساعد زوجي على مصاريف الحياة وتربية أبنائنا. وبعد مرور ست سنوات من وجودنا في ليبيا، أصاب زوجي مرض شرس وتوفي بعد سنة من أصابته به، وكاد حزني على فراق زوجي وشعوري بالوحدة يقتلني؛ لولا الخييرين من حولي والجيران والأصحاب، أهل النخوة الذين وقفوا معي وساندوني، وكان ابني البكر في الصف الأول الإعدادي، فقررت العمل ليل نهار حتى أراهم في أعلى المراتب، والحمد لله لم ينقصهم شيء، وكان ابني الكبير متفوقًا جدًا، في كل مرة أراه يصعد سلم النجاح أشعر بالسعادة والرضا، وأشكر الله كثيرًا .
كنت بين الفينة والأخرى أتذكر أخوتي، وكيف إننا افترقنا وأشتاق لهم وأتذكر وصية أمي لي بأن أسأل عنهم وأزورهم دائمًا، ولكن في هذا الوقت، ما باليد حيلة، وابني مازال صغيرًا، وكنت أسأل عن أحوالهم وأخبارهم وأرسل الرسائل، ولكن في كل مرة يأتي رد واحد بعد عشر مراسلات.
مرت الأيام وتخرج ابني بتفوق، وتحصل على بعثة دراسية في البلد الأوروبي الذي يقطنه أخوتي هناك، وبفضل معارفه وأصدقائه تحصل على سكن مريح وفخم، وكنت سأغادر معه وكلي شوق وسعادة وأمل لرؤية أشقائي، سافرنا ووصلنا والحمد لله، وأراد ابني أن يذهب لترتيب اموره لكي يرجع ويأخذني. بعد أن أوصلني لسكن أخي حسب العنوان، وغادر هو وصعدت أنا المصعد، لكي أفاجئ أخي وزوجته وقلبي يكاد يطير من فرحي وشوقي إليه، طرقت الباب وفتحوا لي، وكم كانت المفاجأة سعيدة لأنني وجدت شقيقتي أيضا عنده، يبدو إنهم يحتفلون بمناسبة ما، ذهلوا تسمروا بأماكنهم ورحبوا بي ترحيبًا باردًا، أصبت بحزن وخيبة أمل شديدة عندما عرفت السبب، فقد ظنوا بأنني سأسكن معهم، كنت أجاملهم، ولكن لا أخفي عليكم لوعة وحسرة شديدة جدًا كانت تعصر قلبي، نحن أخوة لعبنا معًا وتقاسمنا اللقمة والحزن والفرح، وتركنا كلنا وراءنا وطنًا دافئًا حنونًا خلفنا، وبعد حوالي ساعة حضر ابني لاصطحابي، فتفاجئوا به وحدثتهم بأنه أتى ليدرس هنا اختصاص عال.
غادرناهم إلى سكننا، في الصباح تفاجأت بزيارتهم ليعتذروا، وإن قبلت من يداوي الجرح الذي لا ينسى.