شهر القرآن دورة متميزة للعطاء ، أياما معدودات، بالخير عامرات، مساحة زمنية مباركة ذات أفنان ظليلة، وثمار يانعة.
جاء وغادرنا طيبا كريما، وله موعد للعودة لن يخلفه ،،لكننا قد لا ندركه.
قبل رحيله همس في قلبي ،، أرجو لك قبولا وتوفيقا، إخلاصا وصدقا ،، لعلك من أهل الجائزة وفي زمرة الفائزين.
قلت : آمين ،، واغرورقت عينا بالدموع وأنا أرى محياه يبتعد عني قليلا ، كأنه تألم من لوعة الفراق، ،عاد ليقترب ،، همس: لا عليك لي عودة، قلت اعلم لكن ربما أنا لا ألقاك، قال : لا عليك لعلي أعنتك بزاد يعينك على متابعة الطريق.
قلت: آه يا رمضان، والله ما بضاعتي إلا مزجاة وما نفسي إلا امارة، ولكن الله عفو كريم جواد رحيم، أساله أن يتقبل مني ما أحسنت ويتجاوز عما قصرت.
وفي هذه السويعات القليلة التي لا زلت فيها معي.
أود أن أحمد الله أن أحياني حتى عشت ايامك ولياليك الرائعة .
فهل تسمح لي وأنت الكريم أن أقول لك ماذا تعلمت منك وكيف عشت معك…؟
بأنفاسه العطرة ردد : على الرحب والسعة.
قلت، أقول وبالله التوفيق.
لقد عشت معك تجليات القرب ونفحات الوصل، جمال الخلوة وجلال الارتقاء.
لذة المناجاة وحلاوة الإحسان.
لقد ساعدتني على الغوص في أعماق نفسي وتجديد اكتشاف أغوارها والتعرف إلى متاهاتها، ، فأضأتها بنور القرآن وزكيتها بالصيام حتى تغدو طيبة هنية، عذبة زكية.
في أيامك أيها المبارك، ، كان لي وقفات مع كتاب الله فإذا بي أحيا في ظلاله وارتشف من بيانه وأسبح مع آياته تأملا وتدبرا، ولا تسأل أي ثمار قطفت وأي رياحين شممت.
إنها والله نعم، أسال الله أن تكون تترى وأن يبقى لي كتاب ربي نعم الرفيق.
أراك زدت تبسما ووجيهك استنار حبورا.
ترنم بفرح وقال : أنت تدركين عزيزتي، أنا شهر القرآن، احتفاء بنزوله في ليلة عظيمة من ليالي، بوركت وكان فرض صيامي، ورفعة قدري وعظمة شأني.
قلت ، نعم هو ذاك.
وأنت ثمرتك التقوى وهو ذلك الكتاب، هدى للمتقين.
فاللهم اجعلني للمتقين إماما.
إيه يا رمضان ماذا فعلت بقلبي…؟
قال: وماذا عساي فعلت، لعله خير؟
قلت: وهل تأتي إلا بالخير يا صاحب الفضل.
لقد جعلته أكثر رقة وأجمل إيقاعا، تناغم مع آلام الناس ورق لحالهم، زاده الصوم صحة وسلامة، طهرا ونقاوة، حنوا وعطفا.
مدرسة عظيمة انت ،، نتلقى فيك تدريبا عمليا فنتعلم أن الصبر يبغي عزيمة وأن رفعة الخلق تحتاج إلى مجاهدة وأن البذل لا يأتي إلا بعد مقاومة لشح النفس وخطرات الهوى.
في ميدانك تعلمت أن أرقى في معارج العلو ولا التفت إلى جنبات الطريق وأن أحصن وقتي عن متاهات الفراغ، فالوقت ثمين والفرص تسارع بالرحيل .
أشكرك يا شهر الروح فقد أعطيت فسحة لروحي لتسمو وذكرتني أن أعطيها حقها، أنيرها بالوحي وأرفعها بالعلم.
في أيامك ومع لياليك أيها العذب الندي ، تعلمت أني استطيع صبرا واستطيع إبداعا وعملا، واني أقدر أن أتغير وأغير.
فمولى سبحانه قد مدني بقدرات و أعطاني وسعا من الطاقات.
ومع تدريبك الراقي وفي فصلك المتميز ، زدت بروحي معرفة فغدا حالي معها حال العارفين الذين يدركون أنها من أمر الله وأن البشر كلهم ما أوتوا من العلم إلا قليلا .
فإذا بي الزم ركن التواضع وأشدد أزري بقبضات من التأمل بين الكتاب المسطور والكتاب المنظور، لعل ربي الكريم يرزقني فهما وعلما، توفيقا ورشدا.
كان يستمع إلي بعمق ،،ينظر الي بحنو ،، تحرك قليلا، كأنه يوحي الي أنه يجب أن يقوم ، فهمت الإشارة، قلت أرجو ألا أكون أثقلت عليك …؟
بأدب جم نفى أي إزعاج صدر مني، بل – فضلا من ربي – ، قال لي : سعدت بصحبتك.
قلت : وأنا تالله لقد سعدت بقضاء أيام مميزة ذات عبق عاطر بالرحمات والانتصارات معك.
يا شهر بدر والفتح، والسلام والفرح.
وأردفت قائلة: يبدو أنه أزف الرحيل، فلعلك – برحمة من ربي – تحمل إليه معك ريحا طيبة من أعمال خيرة أعاني هو سبحانه عليها، ولعلي ببعض الزاد الذي تزودته في أيامك انطلق في مناكب الأرض فاغدو من أهل الإصلاح والفلاح.
سائلة الله أن يبارك خطاي ويوفقني لما يحبه ويرضاه وأن يمد في عمري لأحظى برفقتك مرات ومرات.
قام ،،صافحني، عانقني ، شممت بكل خلاياي رياحينه الفواحة ،، ترك يدي، رمى علي قبسا من نوره ورحل .