عمر الكدي
أسلحة جدي
قاتل جدي الطليان وقاتل معهم
في الحبشة والبلقان والعلمين
حيث وقع في الأسر
ومن بين أسلحته العديدة
ظلت بندقيته الأولى هي الأثيرة لديه
يعلقها في المضافة في خزانة من خشب وزجاج
ذكريات يرويها في سهرات رمضان
وهو يدخن لفافاته دون انقطاع
كان في السادسة عشر عندما وقعت معركة الهاني
فتى أمرد لا يزال الزغب يغطي وجهه
رفض المقاتلون اصطحابه معهم
فظل يتعقبهم من بعيد وليس معه إلا سكين
وعندما حمي الوطيس
وجدوه في الصفوف الأولى
يقول إنه اشتبك مع عسكري إيطالي
ربما يكبره بعامين
قفز عليه شاهرا سكينه فتدحرجا
وعندما وجد يديه مقيدتين
هوى على عنق الإيطالي
وعضه حتى لفظ أنفاسه
وغنم البندقية الأولى
وعاد بعد أيام على صهوة حصان أبيض
ومعه بندقيتان ومسدسان
وحزام مليء بالطلقات
بينما فقدت قريتنا سبعة من مقاتليها
وقاتل في جميع معارك الجبل
وعندما سقطت غريان
أخفى أسلحته واختفى
وعاد للظهور بعد شهر
فاعتقله الطليان وجندوه
واختفى حتى يئست أمه من عودته
لكنه عاد بعد سنوات
بندبة في الجبين وشاربين
طويل ونحيل مثل رمح
ونظرة تذيب الحجر
ثم وقع في الأسر على حدود مصر
يقول إنه اشتبك مع عسكري انجليزي
جذعه مثل جذع شجرة الزيتون
وذراعاه مثل كفل الثور
رفعني من على الأرض ورماني
وهو يصرخ “فكن باستر”
هكذا يقولها دون أن يفهم معناها
أغمى عليه وعندما استيقظ
وجد نفسه في الأسر
يسمح لي جدي أن اشاركه في تنظيف أسلحته
باعتباري حفيده المفضل
كما علمني كيف أطلق النار
واصطحبني في رحلات الصيد
فيما بعد عرفت أنه ينتقم من أبي
المسالم الذي لم يحمل سلاحا في حياته
حتى عندما وجد نفسه في المقاومة الشعبية
بزيه العسكري المضحك وقبعته الغريبة
كان جدي ينظر إليه بازدراء
وهو يقول النار تخلف الرماد
يؤمن جدي بأن الرجل بدون سلاح ليس رجلا
كما يؤمن بأن هذه البلاد
يحكمها الأقوياء ولن يحكمها الصالحون
ستعيش فيها منيعا إذا كانت أصابعك
دائما على الزناد
أما إذا تراخيت فسيطمع فيك الأوباش
ينهبونك ويغتصبون نساءك
وعيناك مفتوحتين على الذل والعار.