الطيوب | متابعة وتصوير: مهنَّد سليمان
استأنفت الجمعية الليبية للآداب والفنون موسمها الثقافي لعام 2023م، وذلك بتنظيم محاضرة بعنوان (مجلات الطفل الليبي في نصف قرن) ألقتها الباحثة الليبية “أسماء الأسطى” بقاعة عبد المنعم بن ناجي بدار حسن الفقيه حسن للفنون بالمدينة القديمة طرابلس مساء يوم الثلاثاء 28 من الشهر الجاري، وقدم وأدار المحاضرة السيد “وليد بن دلة” بحضور عدد كبير من الكتاب والأدباء والمهتمين بالكتابة عن الطفل، وأعلن الكاتب “إبراهيم حميدان” رئيس الجمعية الليبية في كلمة استهلالية عن إعادة استئناف المناشط الأسبوعية للجمعية، ومن ثم قدمت الباحثة الأسطى توطئة تاريخية تناولت خلالها محطات من بواكير نشأة صحافة الطفل عربيا ومحليا حيث أشارت إلى أوائل ظهور صحافة الأطفال في العالم العربي، والدور الذي لعبه “رفاعة الطهطاوي” بظهور مطبوعة حملت اسم (روضة المدارس) عام 1870م تأثرا بما شاهده من تطور في فرنسا، وكان للسياسي “مصطفى كامل” دور الريادة أيضا بإصدار مطبوع مدرسي للتلاميذ بعنوان (المدرسة) عام 1893م، وتابعت بالقول : لتتوالى في السنوات اللاحقة ظهور المجلات التي ترعاها الدولة عادة لضمان استمرارها، وأضافت الأسطى قائلة : إنه على الصعيد المحلي الليبي البعض يعتقد أن مجلة الفنون التي أصدرها “محمد داوود أفندي بن أسعد”، اهتمت بنشر الدروس الأولية وشرح فيها بعض المبادئ العلمية للناشئة لكن ضياع كيانها المادي وعدم توافر سوى نسخة مصورة عنها يتنافى مع مبدأ الجزم والتأكيد على وصفها حسب ما تذكره المصادر المتوفرة.
صحافة الطفل الليبي تاريخيا
فيما أكدت الباحثة الأسطى أن صحافة الطفل الليبي تأخرت ولم يُعثر على بداية لها آواخر العهد العثماني الثاني باستثناء إشارة العصر الجديد إلى مجلة بعنوان (السمير الصغير)، ويبدو أنها لم تصدر لوفاة مؤسسها “محمد البارودي”، وبيع مطبعته في المزاد العلني، وأضافت الباحثة الأسطى أن المناضل “عبد السلام أحمد الربيعي” جاءت إشارته عن مجلة مخطوطة لتلاميذ مكتب النجاح في عهد الجمهورية الطرابلسية بيد أنه لم يُعثر عليها حتى الآن، وأردفت بالباحثة بالقول : إنه في عهد الاحتلال الإيطالي أشار المؤرخ “ماريو سكابارو” في مجلة (تريبولياتنا) عام 1933م إلى صدور نشرة مدرسية سينمائية للأطفال تعنى بأعلام الفنانين الإيطاليين للصغار بعنوان( ARTISTI PICCOLi ITALIANI) ثم انشطرت عنها مجلة بعنوان ( SPORT E SPORTIVI A TRIPOLI) تعنى بمجال الرياضة والرياضيين الصغار بمدينة طرابلس، وتوضح الباحثة الأسطى بأن الطائفة اليهودية وفق المصادر المتاحة لا نتاج معروف لها في هذا الصدد.
أول مجلة تصدر للطفل الليبي
وأضافت الباحثة الأسطى أن برنامج (ركن الأطفال) كان بداية الاهتمام الفعلي بالطفل وثقافته، وهو برنامج إذاعي يشرف عليه “محمد عبد الله كريستة” باطلاق صحيفة حائطية شهدت تطورا ووصلت إلى نشرة على الآلة الكاتبة ثم إلى مجلة (الطفل) التي تعتبر أول مجلة تصدر للطفل الليبي لتتحول لاحقا إلى مجلة (الجيل الصاعد) للنائشة وصولا لتحولها إلى مجلة(الرواد الأدبية)، بينما أشارت الباحثة الأسطى إلى رسوم “محمد الجهاني” في صحيفة طرابلس الغرب ثم زاوية (جيل ورسالة) التي استقلت فيما بعد كمطبوع كشفي بعنوان (صوت اللقاء)، و(صوت المخيم)، و(الكشاف المغاربي)، و(صوت المرشدة)، و(الكشافة والمرشدات)، و(رسالة جيل)، و(صوت الأشبال) مبينا بأن زوايا الأطفال تتابعت في صحافة الكبار مثل (الفجر الجديد)، و(أخبار المدينة)، و(المنتدى العربي)، و(الشط)، كما بيّنت الباحثة الأسطى بداية ظهور الملاحق للصغار مثل (الليبي الصغير)، و(ليبيا الحديثة) علاوة على ظهور أول صحيفة موجهة للأطفال بعنوان (براءة) ومآلها كان التوقف بعد صدور أربعة أعداد فقط لتليها صحيفة (البراعم)، كما ازدهرت في فترة التسعينيات ظهور دوريات تخصصية مختلفة مثل (سناء)، و(سنابل)، ومجلة(طبيب الطفل العربي).
مجلات الأطفال والتعثر في الصدور
بينما في المقابل أضأت الباحثة الأسطى على ظهور صحافة الأطفال للمكفوفين فعربيا ظهرت مجلة بطريقة الطباعة البارزة البرايل بعنوان (الضمير)، وفي ليبيا صدرت درويتين هما (البصيرة، و(بسمة)، واهتدت الباحثة الأسطى في دراستها إلى حصر مجلات الأطفال التي صدرت في ليييا باللغة العربية فجميعها تقريبا تعثر في الصدور المنتظم وفي التواتر الشهري أو الفصلي مؤكدة بأنها كل هذه المطبوعات تولد لتموت وتتوقف سريعا باستثناء مجلة (الأمل) فهي حتى اليوم الأطول عمرا برغم تعثر صدورها هي الأخرى، من جانب آخر لفتت الباحثة الأسطى إلى أن بعض العناوين غلب عليها الطابع المؤقت كونها لم تمثل القيمة النوعية ما ينتج عنه خلل في الرصد الكمي لها فنجد عنوانا صدر لمرة واحدة ولا يتجاوز محتواه عدة صفحات مع التقصير الواضح في مراعاة أهمية الصور والرسوم لخدمة النصوص المكتوبة ما يعكس المنظور الارتجالي للمشاريع الصحفية، مؤكدة أيضا بأن مطبوعات الأطفال لم تهتم بالمعايير المادية المتعلقة بنوع الورق والحجم وفن إخراج الغلاف والصور فيما عزت الباحثة غياب المجلات الموجهة للطفل لعدم اعتماد التخصصات الجامعية لرفد ثقافة الطفل بالخبرات الأكاديمية، وندرة المسابقات للأعمال الأدبية والفنية.
اعتماد معيار وطني موحد
كما أوضحت الباحثة الأسطى بأن عدم الانتظام والتباعد الزمني في الصدور الشهري للمطبوعات أدى بطبيعة الحال إلى عزوف الأطفال عن متابعتها ونص الامكانات في فنون الطباعة والمحررين والرسامين المؤهلين تربويا وفنيا مما أضفى عليها شكلا غير مناسب وجذاب الأمر الذي جعل الأطفال يندفعون لمتابعة دوريات ومجلات عربية أخرى تمتاز عنها بما يجذب انتباه الأطفال، وأضافت الباحثة الأسطى أن أغلب الدوريات اكتفت بالتوسع في نشر القصص المصورة على حساب المادة والمضمون في جوانب المعرفة الأخرى دون توازن في المادة مع التقصير في تراجم أعلام ليبيا ناهيك عن غياب المعايير اللغوية الشاملة للأسلوب والمفردات والمضمون والمحتوى الفكري والموضوعي، مشيرة إلى أن صحافة الطفل الليبي لم تشهد أي انعكاسا للتطور التقني الهائل في أساليب الطباعة والنشر داعية في ختام المحاضرة إلى ضرورة إصدار معيار وطني موحد لمطبوعات الأطفال والنائشة في ليبيا، وإنشاء وحدات ومختبرات لنتاج فكري ذي مضمون تربوي هادف مع ذكرها لأهمية التحول إلى نشر الدوريات الإلكترونية ومخاطبة الأطفال بمفردات لغة عصرهم.