تَصفَعُنَا مجموعَةُ (جمرُ الأَحلامِ) بروائحِ احتراقٍ فظيعٍ تشي بهَا عتبَتُهَا الأولى، عنوانُ المجموعَةِ الصَّادِمُ، الجَامِعُ بينَ الجِمرِ ابنِ النَّارِ الحَارِقَةِ، والأَحَلامِ بَنَاتِ الرُّوحِ المرهَقَةِ المزهَقَةِ، وتَصْرَعُنَا بِكَشْفِ صِرَاعَاتٍ مريرةٍ تدورُ في تضَاعِيفِ القِصصِ قد تناوشُ الحقيقَةَ والواقعَ في كثيرٍ من تفاصيلِهَا الدَّامعةِ.
القِصَصُ الَّتي تكتبُهَا القاصَّةُ إنتصارُ بوراوي تتخذُ منَ البَيْتِ مَسْرَحًا لها، وفضَاءً مُلائِمًا لأحداثِهَا وَصِرَاعَاتِهَا، وَتَفَاعُلاتِ شخوصِهَا، فهي تجعلُ البيتَ ثيمتَهَا الأساسَ، مَسقطَ رأسِ الفكرَةِ، موطِئَ النَّصِّ المعتَادِ، تَعُدُّهُ تربتَهَا الخصيبَةَ تُنْبِتُ فيها التَّفَاصِيلَ الشَّائقةَ، والأحداثَ المتنَامِيَةَ المثيرَةَ الَّتي تُشَكِّلُ قصصَهَا الحميمَةَ؛ فهيَ تولي اعتناءً خَاصًّا بالبيتِ، تلتفتُ لدواخِلِهِ، تُؤثِّثُهُ، تُعَدِّدُ حَاجِيَّاتِهِ، تَصِفُ سَاكنيهِ، تتبنَّى معانَاتِهِم، وتُظْهِرُ أَصْوَاتَهُم، وتُتَرْجِمُ أحلامَهُم وآلامَهُم، وتنقلُ رغبَاتِهِم، ثمَّ تَعْتَني ببطلٍ بعينِهِ يكونُ – في الغَالبِ – القَاصَّةَ نفسَهَا، تتبنَّى صوتَهَا، وتخرِجُ أفكارَهَا، وتُفْصِحُ عن مُعْتَمَلَاتِ نفسِهَا، ومواجِدِهَا مواعدِهَا ومقاصدِهَا، تحكي بلسانِهَا، وَتَبْكِي بصوتِها، وتشكو بوجعِهَا وتدمعُ بعينيهَا، وتعشقُ بقلبِهَا، وتحلمُ بمخيِّلَتِهَا، وتبوحُ بمكنوناتِ أعماقِهَا الصَّاخِبَةِ.
قصصُ إنتصار بوراوي، تحملُ أكداسًا منَ الخيبَاتِ، ومزيدًا منَ الهزائِمِ والانكسَارَاتِ، تقتربُ كثيرًا من أن تكونَ قصصًا نفسيَّةً، مُؤَهَّلَةً لأنْ تنشأَ عليهَا قِرَاءاتٌ سيكولوجيَّةٌ وَازنةٌ تستقرئُ واقعًا اجتماعيًّا سلبيًّا، وتبرزُ بعضَ لواعجِ المرأةِ الليبيَّةِ، وفيضًا من كوامنِهَا، وتستدعيَ موؤوداتِ أحلامِها، وتستكشفُ دَوَاخِلَ البُيُوتِ الليبيَّةِ إيغالًا في أعمَاقِ ساكنَاتِهَا، واقترابًا من أَنَّاتِ القلوبِ وزفراتِ الأرواحِ، وشكاوى الأنفسِ ونجاوى الأفئدَةِ والمهجِ. وإن تأخَّرَتِ القَاصَّةُ إنتصار بوراوي في نشرِ قصصِهَا الماتعَةِ إِلَّا إنها اقترحَتْ علينَا أضمومةَ قصصٍ مدهشةٍ مُتَحَدِّيَةٍ بالأحلامِ المزهرةِ جَمْرَ العَجْزِ والسُّقُوطِ والانكسارِ.