الطيوب
عبر حسابه الشخصي على الفيسبوك، أعلن الشاعر والباحث الليبي المكي أحمد المستجير، يوم أمس الأربعاء إكمال المرحلة الثالثة من تحقيق القسم الثالث من (اليوميات الليبية) للمؤرخ الليبي حسن الفقيه حسن، التي يقوم عليها المؤرخ والباحث عمار جحيدر.
نترككم مع منشور الشاعر والباحث المكي أحمد المستجير، للتعرف على الكثير من التفاصيل هذا العمل.
إكمال المرحلة الثالثة من تحقيق أطول نصّ تاريخي في المكتبة الليبية
بقلم/ المكّي أحمد المستجير
أكملَ اليوم -بتوفيق الله- أستاذُنا المؤرِّخُ الجليل: عمّار جحيدر، تحقيق القسم الثالث من “اليوميّات الليبيّة” للمؤرِّخ الحصيف: حسن الفقيه حسن، وسيكون من منشورات المركز الليبيّ للمحفوظات والدراسات التاريخيّة، خلال هذا العام، بمشيئة الله، ضمن سلسلة «نصوص ووثائق».
وتُعَدُّ «اليوميَّات الليبيّة» أطولَ نصّ تاريخيّ في المكتبة الليبيّة، ومصدرا مهمّا للحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة في إيالة طرابلس، في أواخر العهد القرمانلي وأوائل العثماني الثاني، إضافة إلى قيمتها اللغويّة القيّمة، في رصد اللهجة الليبيّة المحليّة المحكيّة، المستخدمة آنذاك في المجتمع الطرابلسي.
وقد كشفتْ اليوميّات عن ذهنيّة “حسن الفقيه حسن” العالية، وحِسِّه التاريخي، وعقله الرياضي/الكمّي، ونضجه التأليفي الظاهر في عنايته بتصنيف يوميّاته وفهرستها وترتيبها وترقيمها، رغم بساطة تكوينه وتحصيله. وقد وصفه البحّاثة الجليل «جحيدر» في تقديمه: “أنّه رائد التاريخ الكمّي في المكتبة العربيّة في النصف الأوّل من القرن 19”.
وجاء تحقيق القسم الثالث، في 3 أجزاء (الثالث، والرابع، والخامس) بعد صدور الجزء الأول عام 1984م، الذي شارك في تحقيقه المؤرّخ المدقّق، الخبير بوثايق العهد العثمانيّ ونصوصه: الأستاذ محمّد الأسطى رحمه الله [1900-1991م]. وصدور الجزء الثاني عام 2001، وانفرد بتحقيقه أستاذنا «جحيدر»؛ ليصبح مجموع الأجزاء الصادرة من «اليوميَّات الليبيّة» حتى الآن، في مراحل تحقيقها الثلاث؛ 5 أجزاء.
وما زال جزء أخير من القسم الثالث، لليوميّات لم يُستكمَل تحقيقه بعد (يضمّ الملاحق المطوّلة – والمُستدرَك) ما يزال أستاذنا عاكفًا عليه، وسيكون في جزء واحد، ليغدوَ المجموع الكامل لتحقيق «اليوميّات الليبيّة» في 6 أجزاء (وهو يرجو أن تُلحَق بمجلد شامل للفهارس، ينهض له بعض الباحثين الشباب).
وشمل الجزآن الثالث والرابع “اليوميّات العامّة” موزّعة على وُلاة إيالة طرابلس الغرب الذين أدركهم المؤلِّف في أوائل العهد العثماني الثاني (12 واليا) وتفرّد الجزء الخامس بالملاحق القصيرة -بعضها من إعداد المؤلّف، وبعضها صناعيّ من إعداد المحقّق- مع الوفيات. إضافة إلى ذلك، زَيّنَت التحقيقَ لوحاتٌ من ورقات المخطوط، ورسوم بيانيّة، وجداول تحليليّة، تبهج الخاطر وتوقد الذهن، وتضيء النصّ؛ وتفتح أبواب الدراسات أمام الباحثين.
وقد بذل البحّاثة الجليل «جحيدر» جهدا استثنائيّا في التحقيق، ليس غريبا عنه، وهو المعروف بصرامته المنهجيّة، وتحليلاته الدقيقة، وطول نَفَسِه البحثّي، ورهافة حِسّه النقديّ، واطلاعه الواسع، يُلاحظ ذلك بجلاء في المقدّمات الرصينة، والمداخل المضيئة، والإحصاءات الكمّيَّة، وحواشي التحقيق الثريّة وهوامشه، التي بلغت الآلاف! ويصلَح بعضها أن يكون بحثا مستقلّا. ويكفيك أن تعرف أنّه عايش مخطوط اليوميّات ما يربو على 4 عقود!
وفوق ذلك، طبع أستاذنا الجليل «جحيدر» هذا القسم الأخير من اليوميّات بيده، رأسا من الأصل المخطوط، وكتب تحقيقها على الحاسوب، وقد تعلّم الطباعة لأجلها وهو في منتصف عقده السادس من العمر (55 عاما)، ثمّ ضبط بنفسه إخراج التحقيق، وتنسيق أرقام اليوميّات، وتنوّع أحجام الخطوط وأنواعها، وهو جهد كبير موازٍ لجهده في التحقيق، أنجزه بيده على صعوبة العمل عنده.
وقد أكرمني الله تعالى، بأن تفضّل عليّ أستاذي الجليل، بمُعايشة هذا التحقيق عن قرب معه، فساعدتُه -بجهد المقل، والنملُ يُعذَر في القدر الذي حملا- فكنتُ آتي منزله الكريم بتاجوراء، صباحا، ونقضي معا -يوميّا- قرابة 12 ساعة متَّصلة، لا يشغلنا عن العمل أمرٌ، سوى الصلاة والغذاء. وتغيب الكهرباء وتحضر الرطوبة وتتوالى المناسبات، ونحن مُرابطون في خلوتنا، مُنكَبُّون على أضابيرنا، نراجع النصَّ بالشدَّة والمدَّة، وكأنّه حِيزت لنا الدنيا.
وكان شيخي الجليل، يغمرني بلطفه وكرمه، ويستسمحني ويخجلني، ولو علمَ أنّي أسعَدُ بمُساعدته، وأشرُفُ بالجلوس بين يديه؛ لطلب عليه أجرا. وإنّي والله لأحسب عملي في إنجاز اليوميّات -على ضآلته وعدم قيمته – مع أستاذي الجليل القدير «جحيدر»؛ من حسناتي التي ألقى الله -برحمته- بها.
وحُقّ لهذا الإنجاز، أن تهُبّ الجهات المعنيّة لتحيّته، ويُشاد به، ويُساعَد في إخراج هذا السِّفر الهامّ في التاريخ الليبيّ، بحُلَّةٍ قشيبةٍ تليق بحجمه وقدره؛ فإنّ التراث المعنويّ هو ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، أمّا آبار النفط فإلى جفاف وزوال.
الأربعاء، غرّة محرّم الحرام لعام 1445هـ
طرابلس الغرب، ليبيا.
وكلّ عام وأنتم بخير.