علامة هذا الزمان الموات
علامة هذا الزمان الحياة
..
أدق الطريق حثيثاً قبيل الصباحْ
وأسمع إما عبرتُ بمشفى الولادةِ في الغرفات .. صراخ الصغارْ
وأُبعَث في الركضِ .. أمضي بهيجاً أضم نسيماً على بحرنا المتوسطِ .. يا رئتيَ .. كبيرٌ وجودي .. كما هو هذا الهواء اللطيف النقي الجديد .. صغيرٌ كما المتوسطُ .. هيا .. هنالك بعدُ خيالٌ أليفٌ .. هنالك مقهى تعودتُ أن أنقط الحرف فيه بشاي المساء .. ألاحظ تقطيبةَ الورقه.
أواسي البياض .. بدعوى اغتفار السذاجه .. أكلل جهدي ببعض العزاءِ .. وبعض الكلام .. وبعض الصورْ
..
… تباركت في خاطري يا انفراد ستار التآلف .. موجْ مدى ما يمس اندراجي بكل الثنايا .. لكيما أنَقِل فيك التحافي الحضور .. وواعد حضور البقاء المجيد .. نسيج الترائي .. على شاشة من تصافح ذاتٍ بذاتٍ .. خيوطِ التواشجِِ .. يصفو الحنين ويطلقها في لحون التعذر بين ظهور عتي وبين خفاء التذكرِِِ .. قدم لنا رشفة من تهفهف وقت يصرحُ .. عد وانحدرْ ..
وشد ابتهالات قوسي إليك ومرر على برهتي بيرقاً من مطرْ ..
فتوقي شهي .. وهذا الزمان انفلاتٌ أصيلٌ على سبحات الرجاء .. تلاحم فيه الحنين العفيُ بمرأى نزقْ ..
وهيا نلف على طيتين .. هوى مستعرْ ..
**
يطوف بروحي الوجود .. أمر .. أنا والوجودْ .. وما قد ألفت .. وما قد يشاكس في خاطري ملتقى بين جفنيْ .. وعرشِ الجدارة أن كان كيما نحوك انضفار الأبدْ
نريق بريقاً شجي التفاؤلِ .. ظل بصبر انثيال العمرْ
أطيف البصرْ
هنالك نورسْ
طفا من تكرر أني حككت ذراعي مراراً بمرآة ” جليانةٍ ” بين فكريٍ وبين اتساع النظرْ
” هناك ” .. يقال .. ” أتبصر؟ “.. أبصر .. أحفظه كي أجيء مراراً لأبصره [حزمةً من تهفهف ريشٍ يرف وملقى يزقزقْ ]
صحوت ونمت .. وبت أغني لكيما أصير أنا هوْ
وظل مدى ما يعج بروحي السنا والعلوْ
وجنح الضحى
يصوغ بأهداب جفني الصبا والتعدد ..
صدى داخلي …
يندي يديه بطلِ الصدى
وثمة فسحة هذا الهواء .. أجوز بوجهي ويبقى .. وأركله رافعاً ركبتي …
ولن ينخرقْ
وثم استعادة بعض الخواطر من كان في مهجتي ساكنا…
وما طاف في مرتقى مجد توقي .. وأن جئت من لحظةٍ كالبدايه
مدىً من سمو
وثم المقام .. جليلاً تأصل في كتفٍ للطريق .. تصاحبه دائماً ضوعةٌ من بخور .. وطرقة دف عميقٍ .. وذاتي تشد التأمل بي …
تقول : انبثق .. وانفلق .. واحترقْ
أدق الرصيف .. أدق وقلبي يدقْ
علامة هذا الزمان الحياة
وثم مسامي .. تشقق أفواهها واحداً .. واحدا…
تراني أعد مسامي ؟ كلا .. لأني أضم مسامي .. كضمة أم لأبنائها …
حريصاً على أن ثمة ما سوف يكفي .. وأُنفذه في نزيز العرقْ
علامة هذا الزمان الحياة
ولي بعض وجه تهدم .. كنت أراه يصول جنوناً على بسطة البحر وهو يمدد جنبيه في لطف فقمه .. قريباً .. قريباً .. كما قُربُ جلدٍ لبيت الجسدْ ..
طرابلس صاغت رداء التواعد .. أشجى مساءُ التلاقي عليها سكوناً رقيقاً .. فخفض بحرٌ لأبنائها مهجةً من ضمير الأبدْ
لعله كان تهذب جداً .. وظن بأنه أذنب حتى رآه الصديق جديراً بتأنيبه من وراء السياجْ .. تلقى صياحاً وتلويحةً من يدٍ .. هزها في الأماسي عليه ..
وكان وحيداً يجيء .. وحيداً يطالع بعض الصحفْ
يلوذ بإحدى الموائد قرب السياجِْ .. ويغطس في نوبةٍ من ضحكْ
بماذا اتقد؟!
بماذا اتحد؟!
وماذا دعا قلبه فاتفق
وماذا دعا عقله فاختلف؟!
..
إذا جُزت ذاك المكان تطلعْ
لعلك تجمع بعض الضحكْ
وبعض الكلام الذي صبه … عنيفاً .. غضوباً .. عليه .. ومرْ
وحيداً تحررَ مما عراه وعاد
ولا أحدٌ سيخمن ما قال وسر انفعالهْ
وقد نحسب البحر ما قالَ .. قد نحسب الموج حين يجيء .. يعود .. يجيء يعودُ .. انفعالهُ بالقهقهات وقد ..
نظنه حين يجيء المساء وحيداً يخلفُ ثمَ شبابَ استباق الجسوم إليه .. مع الصيف أو حين يعن السفرْ
صباحك وجدٌ أيا بحرُ .. يا بحري الملتصقْ
هنا عبر صدري جراب ازرقاق .. ولفحة مدٍ وفيرٍ .. تخيرت أن أمتلي …هنا فوق كِتفي
مجالٌ لعمق فسيحٍ غمير
وثمة كوني مررتُ هنا
مررتُ كثيراً .. كثيراً مررتُ .. وحين أعود أظن بأن مسامي لا تعرف إلا بأنيَ محض معاد
كأن المرور بهذا المسار الطليل .. وهذا الهواء العليل .. وهذا السطوع .. من الركض حلمٌ تحشدَ ليلاً ..
وحين أطل النهارُ انفجرْ
كطرق دفوفٍ عتيٍ .. ودمدمة الشدو شبت
لألف مغن تقول : أمان
هنيئاً لنا جمعنا …
وطيف الحبيب العليل الجفونِ .. الذي لم يزر عشق عينيه قطُ النعاس
وصرُ الزمان
على صفحات التذكر .. قمنا من الفجر نحسو الوجود ..
طرابلس عادت صبىً في العيون .. مواعيد ذكرى وتيار وجدٍ وصفحة كاسْ
يطاف علينا بها من ثغور النساء .. ومسقى النوافذ إذ شُرِعَت فوقنا .. أنعشت أفقنا برذاذ الزهَرْ
لذا إنني مقبلٌ يا صباح
أُدَلي هنا في ضلوعي – برغم ضيائك – قنديل أمسي
أغلغل فيك اختيالي
حسرتُ الظلامَ وجئت اكتراثاً .. أبعثر عني كسور الرفات
وأطلق عبر فضائيَ عطر الضياء الرقيق المجذر بين التوثق فيك انجدالاً .. وفيضَ انفلاتْ
أغلق تابوت هذا الزمان .. بمر المساء
بمر انفرادي عبر الظلام .. احتفت قدماي
وجاشت مصاعد قلبي غناءً
وهذا الظلام
احتذى حدوتين
يدق .. يدق
ندمت ؟ على أن نبشت ذخائر تابوت هذا الزمان المغيبِ عن جل ما كان .. ممن أتى قبلُ يدعو الملائك للخفق فوق القبور
ويطوي السطور الكثيرةَ نامت .. ولم تدر أن الزمان تغير حتماً .. وإن ظل عتمُ اصفرار الورقْ
أنام أخيراً ..
أنام .. ولن أشهد الفجر وهو يُدفِن تابوت هذا الزمان
سأركض في رئتي
أهامسها عند غلق جفوني .. أليفاً أُحَوِمُ في زرقتي
أجيش ازرقاقاً وأثرى ابتلالا
وأبطيء هرولتي لِصق هذا السياجْ
أمد يساري لألمس جسم النسيم
أشرع ستر الهواء اختيالا
أحس ضلوعي .. وملقى انفراجٍ ووعد انفراجْ
وبين انفراجٍ وآخر شمسٌ تقيم
أُلَوِحُ عبر الضلوع لبحري وظلي
لموجي وعشقي وركضي يغني
لالال .. لي .. ( تنامَ ) .. لالال لي .. لالال لي
تألق فؤادي .. وصفق .. أعني
أنا موجةٌ من عَناءٍ تحوم
لتسحب عن غور صدري الرتاجْ
_________________________________________________________________
ملاحظات :
ما بين المعقوفتين مستعار من عبارة كتبها الكاتب خليفة الفاخري إلى الصادق النيهوم ، تقول “إن آلاف الطيور تعبر المحيط كل عام حزمة من الريش وبضع زقزقات”.
جليانة .. شاطيء البحر في بنغازي.
المقام المستوحى هو لسيدي “عبدالله الشعاب” بطرابلس، وهو يقع على شاطيء البحر بها، والإنشاد المستوحى هو من صور الاحتفال بالمولد النبوي