طيوب عربية

من للحزانى يا حكيم؟

من أعمال التشكيلية الليبية شفاء سالم
من أعمال التشكيلية الليبية شفاء سالم

بعض الناس يقولون للطبيب يا حكيم

ولهذه الكلمة جذور متينة فإن القدامى أيضاً كانوا يقولون للمتزن في افكاره وأفعاله يا حكيم ويقولون للطبيب المعالج يا حكيم

وقد لا يكون الحكيم طبيبا أما الطبيب فلا بد أن يكون حكيما

ولذلك قررت أن أقول لك يا حكيم وأنت الطبيب المعالج

لعلك يا أخي تذكر عندما أخبرتني عن شاب حركته ضعيفة وقد كنت أنت حديث التخرج وبحماس أخرجت اوراقك لتحوله إلى طبيب الدماغ اما هو فكان يعرف أن علاجه هو في نصيحة قد لا تتجاوز كلمتين وكان يشعر أنه يعرفها ولكنه أضاعها في بحر النسيان

قال لك: لا تحولني فلست أشكو من مرض في الدماغ ولكن الذي حصل معي هو أنني حزنت فلم أستطع التحرك إلا ببطء شديد وكلما أردت الإسراع أو العودة إلى طبيعتي في المشي فشلت

قلت له وقد عدت إلى معلوماتك الرصينة: إذا كان الأمر كذلك فما عليك إلا أن تخرج من همك الذي سبب لك هذا فغيِّر المكان وغيِّر الأفكار وغيِّر الأشخاص

فتلقف الشاب منك النصيحة وكأنه عثر على كنز وقال: نعم نعم فهذا هو الذي كنت أريد سماعه وكأنني اعرفه ولكن ذاكرتي تجمدت فلم تبح لي به

وغيَّر الشاب المكان والفكرة والأشخاص فرجع يمشي كما كان

كانت هذه القصة مثيرة لك كطبيب وغريبة عليَّ حد الاندهاش

وأنا أسمعها منك

والآن تذكرتك يا حكيم وأنا أشاهد الأحزان ترهق كاهل الإنسان وإذا كان هذا الشاب قد غيَّر مكانه وأفكاره ورفاق السلبية والنكد فكيف سيغير هؤلاء المصدومون أمكنتهم وأفكارهم والرفاق

وهل سيجيئ طبيب حديث التخرج أو قديمة ليخبرهم بالنصيحة الثمينة التي تنقلهم من ضيق إلى سعة ليتحرروا من بطء في المشي أو ضعف في التركيز أو رغبة في النوم العميق إلى نهاية الدنيا؟

لست أنكر أهمية الصبر والافتقار إلى الله تعالى ولكنني أعرف حقيقة النفس البشرية وتفاعلها مع الأحداث واعرف أن أقوى الناس في التحمل قد يمرون بوقت يستغرب فيه رفاقهم من ضعفهم وقلة حيلتهم

والخبرة في التعامل مع المنكوبين ضرورية، والهجرة إلى ساحات التلطف والتغاضي ضرورية، والتمادي في حسن المعاملة معهم أيضاً ضروري

والأمر ليس سهلاً بل هو بحاجة إلى تدريب وقهر للنفس لتسمو السلوكيات وتتطهر من حسد أو غل أو حقد أو رغبة في التشفي والشماتة فيمسك الرفيق بيد الحزين ليوصله إلى درب السعادة والأمان

وإذا كان هذا الرفيق معافى الآن فهو يستطيع مساعدة الآخرين وربما تمر به ضائقة ويسلك درب الحزانى فيسعد بقطرات اهتمام من رفيق.

مقالات ذات علاقة

قراءة في القصة “سر في صورة” للقاص الفلسطيني محمود سيف الدين الإيراني

فراس حج محمد (فلسطين)

رسالة إلى وزارة التربية والتعليم الفلسطينية: التعليم عن بعد ليس الأمر مجرّد وجهة نظر

فراس حج محمد (فلسطين)

مصطفى محمود.. جئت الى العالم لأختلف معه

حسين عبروس (الجزائر)

اترك تعليق