مفيدة كريديغ
لم تكن المدلولات الجغرافية لأسماء الأقاليم في القديم محدودة وواضحة كما هو عليه الآن، بل كان كل إقليم يسمى غالباً باسم المجموعة التي تقيم فيه، ولذلك فأن رقعة الاقليم تتسع وتتقلص تبعاً لتحركاتها وانتصاراتها وهزائمها. وقد لوحظ هذا من خلال تحركات القبائل الليبية القديمة في البداية نحو الشرق ثم ارتدادها نحو الغرب.
وورد اول نص مدون لكلمة ليبيا لدى المصريين القدماء من الالف الثانية قبل الميلاد على شكل (ليبو – ريبو)، وكانوا يقصدون بهذا الاسم أحد المجموعات السكانية الليبية التي تقع اراضيها غرب وادي النيل.
كما ورد اسم ليبيا في التوراة في عدة مواضع من اسفار العهد القديم، فنجده يكتب في سفر اخبار الايام الثاني على شكل لوبين – لوبيون ويرجح معرفة كتاب التوراة على اسم ليبيا من المصريين.
ونجد في النقوش الفينيقية الحديثة التي عثر عليها في بعض مناطق تونس وطرابلس إشارات الى اسم ليبيا حيث وردت على شكل (لوبي) و (لبيت)، ويبدو ان اسم مدينة لبدة الذي كتب باللغة الفينيقية على شكل لبكى كان يحمل نفس الجذر الذي يتكون منه اسم ليبيا.
ولم يرد اسم ليبيا كمدلول جغرافي صريح الا في النصوص الاغريقية خاصة في كتابات (هوميروس) و (هيرودوت) وكانت لدى هيرودوت احياناً احدى القارات الثلاث من قارات العالم القديم، واحياناً يقصد بها منطقة قورينا وما حولها التي استعمرها الاغريق في القرن السابع قبل الميلاد.
وحسب ما توصلت إليه الدراسات المثيولوجية فأن اسم ليبيا اسم لمعبودة وطنية مرتبطة بالإلهة (نيت) المصرية والالهة (تانيت) البونيقية، وفي نظر البعض موحدة لها، وعند هيرودوت نجدها مرتبطة بأثينا اليونانية وموحدة معها، ولكن البعض الاخر يراها اماً لأثينا وليست هي ذاتها ولا موحدة معها، وهذا يؤكد أن ليبيا شخصية مثيولوجية الأصل قامت موجودة قبل ان تدخل الادب اليوناني القديم.
وعندما سيطر الرومان على شمال افريقيا أصبح اسم ليبيا يطلق على منطقة قورينا فقط، ومنذ القرن الأول قبل الميلاد أصبح مدلول كلمة افريقيا لدى الرومان يعبر عن كل المنطقة التي تدل على ليبيا بوصفها قارة من قارات العالم القديم.
وفي العصور الاسلامية ورد اسم ليبيا لدى بعض الكتاب العرب مثل ابن عبد الحكم وأبن خردذابة على شكل (لوبية) ويبدو من خلال تتبع المصادر الاسلامية ان الاسم اختفى وحل محله اسماء بديلة مثل برقة وطرابلس، والجدير بالذكر أن اسم ليبيا استعمل كمدلول سكاني منذ أقدم العصور ولم يأخذ معناه الحالي إلا في بداية القرن العشرين منذ بداية الاحتلال الايطالي لهذا البلد 1911.
المصدر، دكتور محمد عيسى، الجذور التاريخية لسكان المغرب القديم.