لن أتحدث هنا عن أول مُبرمجة حاسوب، ولا عن الهندسة الإلكترونية، ولا عمن نالوا شهادة جامعية في هذه المجالات في الداخل أو الخارج، ولا حتى من تعلمن إدخال البيانات أو صيانة الحاسوب.
وإنما عن ” أول مهندسة حاسوب ليبية ” درست عِلم هندسة الحاسوب في أول قسم لعِلم هندسة الحاسوب في بلادنا.
نالت منه لقب ” أول مهندسة حاسوب ليبية ” بعد أن تخرجت منه! …
المهندسة فهيمة الهادي الشكشوكي.
نعم فلنا بنات ليبيات درسن هندسة الحاسوب الصعبة ونجحن فيها ونافسن غيرهم وغيرهن بجدارة!
لكنني أكثر فخراً بها لأنها أولاً حققت ما لم يحققه الكثير من الرجال في عمرها وتخصصها.
ولأنها كانت بنت كليتي ! وكاملة الأنوثة كذلك! أي ليست بتلك الصورة الخاطئة التي عادة ما يلصقونها بالبنت المتفوقة في دراستها!
لقد تأسس قسم الحاسوب ضمن كلية الهندسة النووية بجامعة طرابلس وكانت أول دفعة فيه هي دفعة 1978.
وكانت فهيمة الهادي الشكشوكي (78061) وزميلتها الدرناوية “نجاة سليمان بوطلاق” (78063) أول طالبتيْن ليبيتيْن في أول دفعة هندسة حاسوب في ليبيا.
لكن فهيمة تخرجت قبلها بسنوات، فتحصلت على لقبها التاريخي هذا!
وفي الوقت الذي عادت فيه نجاة إلى درنة وتزوجت وعملت في التدريس ثم انقطعت أخبارها عنا استمر عطاء فهيمة في هذا العلم..
.
والقصد من علم هندسة الحاسوب هو علم دراسة نظرية عمل وتطوير جهاز/أجهزة الحاسوب لا مجرد برمجته وتشغيله وصيانته، أي أنه يختص بكل ما له علاقة بجهاز الحاسوب ونظرية عمله بشكل أشمل وأدق في دراسته من علوم البرمجة والصيانة ووالديْه علمي هندسة الإلكترونيات والكهرباء!
والحقيقة أنني عرفت فهيمة قبل أن ألتقيها! إذ عرفتها من زميلي في تخصص استطلاع المدفعية الصاروخية في ثانوية وريث صديقنا سامي الشكشوكي! إبن خالتها وابن ابن عم أبيها في ذات الوقت.
حيث كانت الموسيقى وأحدث أخبارها هي التي جمعتني به وزميلنا أيمن جبران (دكتوراه في الجيولوجيا ومواطن كندي من سنين!) في استراحات التدريب العسكري السنوي.
كان سامي شخصية ظريفة لطيفة يدخل القلب طوالي، مرهف الحس يهوى الموسيقى ويستطيع يعزف أي لحن بمجرد سماعه! لكن أهله منعوا عليه دراسة الموسيقى للأسف! فدخل الجامعة لكنه لم يكمل دراسته، فعمل في تجارة الذهب وغيرها.
كان سامي يُثني على بنت خالته فهيمه ويفخر بها.
وحينما قابلتها كانت بالفعل كما صورها لي: ملفتة للنظر من الوهلة الأولى بشعرها الكاسكو الشبيه بشَعر “دايانا روس” أيقونة أغاني الروك في السبعينيات. حتى أنهم كانوا ينادونها في كافتيرا كلية الهندسة “جامايكا” لما تميزت به البنت الجامايكية من قصة شعر شبيهة!
بالطبع الفاضيين كانوا يظنونها “فاضية”، لكنهم كانوا هم الفاضيين لجهلهم بقيمة هذا الرمز الليبي:
بنت تتحدى عِلم الحاسوب على بعضه! مع ما تميزت به من ذكاء خاص ورشاقة وأناقة شبابية جميلة جادة محترمة لا تشوبها شائبة.
كأي فتاة طرابلسية كانت تعيش أحلى أيام شبابها بكل جمال وأناقة! مليئة كل الملء بخير الفوائد!
كانت بشخصيتها الجادة وأناقتها الراقية رمز من رموز الكلية نعم ومَعلَم من معالمها بدون أي مبالغة.
هذا رأيي الشخصي على الأقل ورأي من عرفوها وأعرفهم.
حيث كنا نفخر بوجود زميلة دراسة غير تقليدية في دراستها وجديتها وثقتها بنفسها في تلك الأيام من الماضي الجميل.
كانت علامة من علامات مبنى كليتنا الجديد “سويدي التصميم والبناء والتأثيث”.
حينما دخلت سنة أولى بالكلية كانت هي في أول السنة الرابعة، هناك عرفتها مثال للفتاة الليبية الذكية الجادة المحترمة المثابرة على دراستها الدقيقة الصعبة، وكأنها تدرك أهمية دورها الريادي الخطير في قيادة الليبيات إلى إتقان هذا العلم الراقي منذ 1978.
هل تعرفوا معنى 1978؟ يعني فهيمة درست هذا العلم منذ أن وعى العالم بأهمية هذا الجهاز، وأتقنته قبل ظهور الويندوز والفيس بوك واللاب توب!
ثم تخرجت فهيمة كأول مهندسة حاسوب ليبية في العام الدراسي 1983 – 1984 ومنها تولت العديد من المناصب الرائدة.
في 2002/2003 تحصلت على دبلوم الدراسات العليا في تخطيط القوى العاملة من معهد التخطيط للدراسات العليا بطرابلس.
وبعد أن تولت إدارة البحث والتطوير بمركز المعلومات والتوثيق بوزارة التعليم تقاعدت في 2019 وارتاحت من عبء الوظيفة، وهي مازالت حية بيننا والحمد لله في عز شبابها وحيويتها.
إلا أنها تركت ورائها سيرة مثقلة بالإنجازات: أوراق بحثية ودورات ومؤتمرات وندوات في الداخل والخارج والكثير من المقترحات التي تستهدف تطوير التعليم في بلادنا على أسس العلوم والوسائل الحاسوبية الحديثة، فللمزيد عن سيرتها إليكم هذا الرابط: https://www.blogger.com/profile/01339145795149257729