قراءات

قصائد الشاعر (أحمد قنابة) كما أعدها (الصيد أبوديب)

إهداء: إلى الأستاذ مختار دريره  حفظه الله

كتاب أحمد أحمد قنابة - دراسة وديوان (الصورة: عن الدكتور عبدالله مليطان)
كتاب أحمد أحمد قنابة – دراسة وديوان (الصورة: عن الدكتور عبدالله مليطان)

بُعيد تخرجه مباشرة  سنة 1968م من كلية الآداب بالجامعة الليبية ببنغازي أصدر المرحوم الدكتور الصيد محمد أبوديب كتابه الأول (شاعرٌ من ليبيا أحمد أحمد قنابة: دراسة وديوان)(1) والذي جمع فيه وحقق نصوصاً شعرية ومساجلات للشاعر المرحوم أحمد قنابة بعدما تعرف عليه شخصياً وجالسه مرات عديدة، حيث أجرى معه لقاءات صحفية، واقترب من عالمه الشعري بشكل مباشر، كما يروي ذلك في مقدمة الكتاب التي أعدها في مدينة بنغازي وهو لازال طالباً حينها ويقول في بعض فقراتها: (حينما فكرتْ هيئةُ تحرير مجلة “الرواد” في إصدار عدد ممتاز عن “الشعر والشعراء في ليبيا” في أبريل 1966م رأيتُ أن انتهزَ هذه الفرصةَ فأجري مقابلةً صحفيةً مع الأستاذ الشاعر “أحمد قنابة” لتقديمه للقراء ومن ثم التعريف به كخطوة أولى بصفته أحد شعرائنا الكبار. والتقيتُ بالشاعر في مكتبه “بمكتبة الأوقاف” وأبديتُ له رغبتي في إجراء مقابلةٍ صحفية معه، فرحب بي وتفضّل -رحمه الله- بالإجابة عن أسئلتي، وبعد الانتهاء من هذه المهمة رأيتُ أنْ أعرضَ عليه فكرةَ جمعِ قصائده المنشورة في الصحف والجرائد والمجلات القديمة والحديثة، في ديوانٍ كخطوةٍ ثانيةٍ في هذا الموضوع، فأظهر موافقته وأبدى استعداده التام لمساعدتي في ذلك، على أن أقوم بهذا العمل خلال العطلة الدراسية بحكم دراستي في الجامعة الليبية في بنغازي.)(2)

ومن خلال ما ذكره في مقدمة كتابه نكتشف شغف المرحوم الصيد أبوديب المبكر بالأدب والشعر والكتابة والدراسة البحثية والنشر والصحافة، حيث نجده قد أسهم منذ بواكير نضوجه الفكري، وقبل تخرجه من الجامعة، بالعديد من المقالات الأدبية واللقاءات الصحفية التي نشرها في المطبوعات الصادرة آنذاك، وكذلك إعداد الدراسات التي اختص بواحدة منها شاعرنا أحمد قنابة وضمنها كتابه الأول الذي استهله بإهداءٍ قصيرٍ وصريحٍ يقول فيه: (إلى أمّي وأبي .. أهدي كتابي هذا الذي هو منهما وإليهما)(3). وإثره تسلسلت محتويات كتاب (شاعرٌ من ليبيا أحمد أحمد قنابة: دراسة وديوان) كالتالي: مقدمة، تمهيد، حياة الشاعر ونشأته، ثقافة الشاعر، سكوت الشاعر وصمته، السمات البارزة في شعره. وبعد ذلك جاءت دراسته الأدبية المعنونة (الجانب الديني في شعر أحمد قنابة) التي تناول فيها الجوانب التالية: المؤثرات الدينية في شعر أحمد قنابة، أحمد قنابة الزاهد المتصوف، ما هو الزهد، ما هو التصوف، الزهد والتصوف في شعر أحمد قنابة. ونلاحظ هنا أنه قبل أن يتناول موضوع الزهد والتصوف في شعر أحمد قنابة، أعد للقاريء تمهيداً مستفيضاً للتعريف بهما، وشارحاً بعض أركانهما التي ارتكزت عليهما دراسته لقصائد الشاعر وفي إطارهما الموضوعي المتأسس على الإيمان يقيناً بزوال الدنيا وبالتالي الابتعاد عن لذائذها ورغائبها والاكتفاء بالقليل من ضروراتها بكل قناعة ورضى، والاهتمام كذلك بمراتب التصوف الثلاثة المتمثلة في الإسلام والإيمان والإحسان واتباع سلوكيات الفضائل والابتعاد عن الرذائل وتربية النفس على ذلك المنهج العقائدي الأخلاقي.

وقد ظهر جانب مستقل في فهرس الكتاب بعنوانٍ (الديوان) يضم قصائد الشاعر أحمد قنابة التي جمعها المؤلف الأستاذ الصيد أبوديب، وعددها سبعةٌ وخمسون قصيدةً متنوعةً جاءت موزعة على سبعة أغراض شعرية كالتالي:

أولاً: (الوطنيات)، وهي أشعار نظمها الشاعر الراحل أحمد قنابة واستلهمها من تتابع الأحداث السياسية ومجرياتها في ربوع الوطن والتي نشرها في عددٍ من الصحف الوطنية، وتتضمن خمسة عشرة قصيدة هي: شتتَ اللهُ شملهم فرَّقونا، أغنيةُ الوحدة، أَكْرِمْ بها من وحدة، مِنَ الشعبِ إلى الشعب، ليبيا موحدةٌ وتاجٌ واحدٌ، رايةُ النصر، إلى الشباب، تحيةُ الشباب، عزُّ العبادِ في الاتحاد، ظهورُ الحقِ حُجَّةٌ، في سماءِ المجدِ، فلتنصيفينا يا ليالي، على العهد القديم، روّح فؤادَك، قصائد مبتورة.

ثانياً: (عروبة) وهي عشرة قصائد صنفها وأطلق عليها الدكتور أبوديب وتتابعت كالتالي: تحيةُ مصرَ إلى طرابلس، تحيةُ طرابلس إلى مصر، عيدُ الجامعةِ العربيةِ “الذكرى الثانية”، عيدُ الجامعةِ العربية “الذكرى الثالثة”، عيدُ الجامعةِ العربية “الذكرى الرابعة”، أرواحٌ من الشرق، بروقُ البشائرِ في ذكرى ثورة ِالجزائر “الرابعة”، في ذكرى ثورة الجزائر “الخامسة”، في ذكرى ثورة الجزائر “السادسة”، تحيةٌ إلى قادة الثورة الجزائرية: بن بلة ورفاقُه.

ثالثاً: المرثيات، وهي ثمانية قصائد نشرها الشاعر في رثاء عدد من الشخصيات الوطنية الليبية والقومية العربية، وقد ظهرت كالتالي: في رثاء الشيخ عبدالرحمن البوصيري، وتعد هذه القصيدة التي جاءت قافيتها ميميةً مرفوعةً في مائة وثمانية عشرة بيتاً الأطول بين قصائد الديوان، في ذكرى البوصيري، رثاءٌ في فقيدِ الأمة الطرابلسية حسن باشا القره مانلي، رثاءُ فيصل عاهل العرب، رثاءُ أحدِ أبطالِ الجهاد، رثاءُ جميل صدقي الزهاوي، رثاءُ الشيخ أحمد الشارف، الرفيقُ قبل الطريق “في ذكرى وفاة الشاعر أحمد رفيق المهدوي”.

رابعاً: التشطيرات، ومصطلح (التشطير) في الشعر العروضي التقليدي القديم هو فن من فنون البديع والصناعة الشعرية السجعية، ويتمثل في أن يأتي الشاعر بقصيدةٍ مشهورة لغيره من الشعراء، فيقسم أبياتها إلى شطرين ويضيف إلى كل منهما شطراً آخراً من عنده، مراعياً تناسب اللفظ والمعنى بين أصل القصيدة والفرع الذي أضافه لها. و(التشطير) يبرز براعة الشاعر ومهارته في توظيف ثراء قاموسه اللغوية ومخزونه من الشعر المحفوظ في نظم قصيد جديد يتأسس على قديم. ومن اشتراطات وضرورات (التشطير) الابتعاد في تركيبته اللغوية عن التكلفة والحشو والزيادات غير المتوافقة مع معنى القصيدة، لأن هدفه هو زيادة أبيات القصيدة الأصلية وضوحاً وجمالاً وتشويقاً. وقد ترك الشاعر أحمد قنابة ستة تشطيرات حول ستة قصائد لشعراء عرب ضمها الكتاب متسلسلة كالتالي: قصيدة (شراعاً وراء دجلة يجري) للشاعر أحمد شوقي، وقصيدة (جفنه علَّم الغزل) للشاعر بشارة الخوري، وقصيدة (الهوى والشباب) للشاعر بشارة الخوري، وقصيدة (علّموه كيف يجفو) للشاعر أحمد شوقي، وقصيدة (ألا تنصيفينا يا ليالي) للشاعر الشيخ إبراهيم دقدق، وقصيدة (قفوا واسمعوا) للشاعر الأستاذ محمد كامل الهوني وهي القصيدة الوحيدة التي اختارها الشاعر الراحل أحمد قنابة من القصيد الليبي.

الدكتور الصيد أبوديب
الدكتور الصيد أبوديب

خامساً: مساجلات وردود، المساجلة هي الرد على شاعر ببيتٍ واحدٍ أو قصيدةٍ متعددة الأبيات، بشرط أن تكون بداية البيت الأول بآخر حرف انتهت به قصيدة الشاعر السابق، وقد تضمن هذا الفصل ثلاثة مساجلات شعرية متبادلة بين شاعرنا أحمد قنابة وصديقه الشاعر عبد ربه الغناي الذي نظم قصائده (ردٌّ على قصيدة) و(إلى صديقي قنابة) و(عتابٌ وذكريات)، ورد عليه الشاعر أحمد قنابه بقصيدتين هما (ذكرياتُ الحبِّ عذبه) و(ردٌّ لم يتم)، وقد أحسن المؤلف في هذا الفصل تضمين قصائد الشاعر عبد ربه الغناي بجانب قصائد الشاعر أحمد قنابه لكي يستبين القاريء مستوى شاعرية قصائد الشاعر عبد ربه الغناي أولاً، باعتباره أحد كبار شعراء تلك الفترة، ثم التعرف على علاقة الصداقة الوطيدة التي ربطته بالشاعر أحمد قنابة وموضوعات السجال والرد والحوار الشعري الذي كان يدور بينهما.

سادساً: أناشيد، تضمن هذا الفصل ستة أناشيد وطنية كتبها الشاعر أحمد قنابه هي (علم البلاد)، (بالسيف نحمي والقلم) وقد لحنهما الفنان الراحل كاظم نديم، ونشيد (شَدْو الفتى) ثم ثلاثة أناشيد أخرى جاءت عناوينها (النشيد الأول) و(النشيد الثاني) و(النشيد الثالث) وقد نشر الشاعر الأناشيد الثلاثة الأخيرة في جريدة “العدل”.

سابعاً: متفرقات، تضمن هذا الفصل الأخير في الكتاب ستة قصائد متفرقة جاءت عناوينها كالتالي: في ذكرى مولد الرسول، سلام التداني، أين جحا؟، وقفة في ميدان السراي، أبياتٌ بلا بقية.

لقد حرص الأستاذ الصيد أبوديب في كتابه (شاعرٌ من ليبيا أحمد أحمد قنابة: دراسة وديوان) على توثيق كلِّ ما جمعه من قصائد الشاعر أحمد قنابة، والإشارة إلى مصادرها من الجرائد والمطبوعات الصحفية المنشورة بها والتي نقلها منها، والأسماء المستعارة التي تخفى وراءها الشاعر أحمد قنابة عند نشر بعضها مثل (الشابُ الطرابلسي) أو (صوتُ مؤمن) أو (طرابلسي صادق) وغيرها. وقد صحح مؤلف الكتاب الأستاذ الصيد بوديب لاحقاً للأديب علي مصطفى المصراتي فيما يتعلق باستخدام الشاعر أحمد قنابة توقيعه (أنا) أثناء نشر بعض قصائده حيث يقول (وأريدُ هنا أن أصححَ أن الشاعر “أحمد قنابة” لم ينشر قصائد بتوقيع “أنا” في هذه الجريدة ]اللواء الطرابلسي[ أو غيرها وإنما كان يوقع بأسماء مستعارة كثيرة متعددة ذكرتُها في كتابي عن هذا الشاعر.

وبالفعل حدث لي ذلك في أول الأمر فقد لاحظتُ عند مراجعتي لجرائد وصحف ليبية قديمة في مكتبة الأستاذ المصراتي الخاصة أنه كان يكتب باسم “أحمد قنابة” إلى جانب توقيع “أنا” في آخر كل قصيدة باعتبارها من نظمه وعلى هذا الأساس أخذتُ في نقل القصيدة المذيلة بهذا التوقيع، وظفرتُ بمجموعة طيبة لم تنشر في الطبعة الأولى من كتابي.)(4)

كما سجل لنا المؤلف الصيد أبوديب في هوامش سفليةٍ شارحةٍ وتوطئاتٍ علويةٍ استهلاليةٍ قصصَ وظروفَ ظهور بعض القصائد المتعلقة بالأحداث السياسية التي عصفت بالبلاد سواء أثناء الدعوة للوحدة الوطنية أو إعلان الاستقلال أو الحث على تحرير ليببيا من المستعمر الأجنبي. وكذلك ضمَّن الأستاذ الصيد أبوديب كتابه تعليقين نثريين كُتبا حول قصيدتي الشاعر أحمد قنابة (تحية الشباب) و(أين جحا).

إنّ هذا العمل القيّم (شاعرٌ من ليبيا أحمد أحمد قنابة: دراسة وديوان) يبرز حجم المثابرة والمجهود الكبير الذي بذله الأستاذ الصيد أبوديب رحمه الله، منذ حوالي سبعة وخمسين سنة مضت، في التنقيب عن قصائد شاعرنا الراحل أحمد أحمد قنابة، وتجميعها ومراجعتها وإعدادها للنشر، متيحاً للقاريء والباحث الشغوف بالشعر الليبي إنتاجاً شعرياً غزيراً ومتنوعاً، يستحق الاعتناء به والتعاطي معه بمزيدٍ من البحث والدراسة سواء من حيث مناقشة مضامين موضوعات قصائده، أو نقد التراكيب الفنية العروضية والإيقاعية وفق النظم الكلاسيكي التقليدي للقصيدة الشعرية العربية وأوزانها وبحورها الخليلية. وقد أجاد المؤلف توفير تمهيد شامل ودراسات بحثية تحليلية مهمة أسهمت في إضاءة بعض الجوانب الموضوعية والفنية في قصائد الشاعر أحمد قنابة لتكون أساساً لأية دراسات أخرى تالية.

سيظل كتاب (شاعرٌ من ليبيا أحمد أحمد قنابة: دراسة وديوان) الذي تركه لنا أستاذنا الراحل الدكتور الصيد محمد أبوديب يمثل إضافة مهمة للمشهد الشعري الليبي، حتى وإن لم يلتفت إليه حتى الآن الكثير من النقاد والدارسين والطلبة والأساتذة الأكاديمين، نتيجة عدم إعادة طباعته منذ صدور طبعته الأولى سنة 1966م، وبالتالي نفاذ نسخه من أرفف المكتبات، وغيابه عن محاضرات الشعر الليبي، ولذا فإن إحدى غايات هذه المقالة التعريفية بهذا الكتاب هي دعوة الجهات المعنية بالأدب والشعر في ليبيا بضرورة إعادة طباعة الكتاب في حلة جديدة تسهم في التحفيز والحث على مطالعته مجدداً والتصدي له بالعديد من النقود والدراسات البحثية العميقة.


هوامش:

(1) شاعر من ليبيا: أحمد أحمد قنابة “دراسة وديوان، الصيد محمد أبوديب، بلا د.ن، الطبعة الأولى، 1968م

(2)  شاعر من ليبيا، مصدر سابق، ص 10

(3) المصدر السابق، ص 5

(4) هذا هو المصراتي، عبدالله سالم مليطان، منشورات المؤسسة العامة للثقافة، طرابلس، ليبيا، الطبعة الأولى، 2009م، ص 175

مقالات ذات علاقة

قراءة في كتاب (ري الغليل في اخبار بني عبدالجليل)

المشرف العام

راصدوا الصحراء للرحالة الدنماركي كنود هولمبو

إنتصار بوراوي

إضاءة على قصيدة (شجرة) في ديوان مفتاح العماري ( ثكنات)

سالم أبوظهير

اترك تعليق