المقالة

من غرائب جنوب ليبيا (كاف الجنون) (4) الخاتمة

التوارق هم: الأصالة، الشهامة، الكرم، الصدق، سموّ الأخلاق وعلوّ الهمة..

من غرائب جنوب ليبيا (كاف الجنون) (الصورة: الدكتور عبدالعزيز الصويعي)
من غرائب جنوب ليبيا (كاف الجنون) (الصورة: الدكتور عبدالعزيز الصويعي)

نشرتُ عبر حلقات ثلاث روايات عن “كاف الجنون” ولم أكتفِ بالقديم المتواتر منها بل نقلتُ أغلبها مباشرة من أفواه أناس معاصرين مشهود لهم بالصدق والثقة ورجاحة العقل. وكأي باحث عن الحقيقة وقفتُ طويلاً في جانب الحياد بعيداً عن كل المؤثرات لأتفحص المواقف في ذهول وحيرة وتذبذب بين تصديق وتكذيب..! نعم لقد حاولتُ تسلق “الكاف” نهاراً وعجزت، وحاولتُ الاقتراب منه ليلاً فرفض الجميعُ مرافقتي خاصة الأستاذ “عمر أبو صلاح” أمين إعلام غات، ففشلتُ أيضاً.. لذا لم أتمكن من تسجيل حدثٍ غريبٍ أكون أنا بطلَه وشاهداً عليه.. ولا أخفيكم سراً لو قلتُ لكم أنني عشتُ لحظةً نفسيةً عصيبةً وأنا أستمع بشغف للحاج “محمّد بوشه” وأتفحص تقاطيع وجهه وهو يروي لي تجربته، فكنتُ أقرأ الصدقَ يفيض من عينيه بعمق أكبر من سماع كلماته ووصفه الدقيق لما شاهده تلك الليلة، وكأنني كنتُ معه، أو كنتُ أنا هو..! رغم صعوبة تصديق روايته أو على الأقل إزاحة ذاك الغطاء الشفاف الذي يفصل بين الحقيقة والخيال لتتضح الصورة.

لستُ عالماً ميتافيزيقياً ولا حتى طبيعياُ قادراً على تحليل مثل هذه الظواهر، أو الخوض في أسرار “الكاف” المرئية والصوتية، والقول بأنها بسبب رياح تنفخ فيه بزوايا معينة فتصدر أصواتاً غريبة، أو أنه ظاهرة بركانية لا زالت تنشط بطريقة ما، أو أنه يقع تحت تأثير مجالات مغناطيسية تضاريسية غير معلومة. ولكن الملفت للنظر، هو تكرار قصة سماع الآذان عند منتصف الليل، والآذان صوت يحتوي على كلمات منغمة وليس صفيراً مزعجاً أو صوتاً مُبهماً.. وهذا دليل على أن سكان “الكاف”، إذا صحت الرواياتُ، هم من فصيلة الجان المسلم كما يقولون، بدليل أن كل القصص القديمة والحديثة تؤكد أنهم لم يسببوا أيَّ أذى لمن تعامل معهم، بل كانوا يقدّمون العون والمساعدة لمن يستحقها من المارة، وأيضا الصدق في البيع والشراء، وغير ذلك من المراسم التي تتم ليلاً وتختفي نهاراً..!

وعلينا أن نعترف -بداهةً- أن الخيالَ جزءٌ من الواقع، وأن الخوفَ جزءٌ من الشجاعة، وأن السالبَ جزءٌ من الموجب.. لقد توصل المخرجُ السينمائي بإمكانياته الخيالية وغير الواقعية إلى غزو الفضاء قبل أن يفكر العلماءُ في ذلك ويحيلون ذاك الخيال إلى واقع.. وكذلك البطلُ الشجاع لا يستطيع التغلب على خصمه إلاّ إذا خاف منه وأعدَّ له العُدّة، لذا فالخوف يسبق الشجاعة بل هو جزءٌ منها.. أما السالبُ والموجبُ فلا تستقيم الحياة بدونهما.. والجان مخلوق لا يُرى لأنه يتحرك في بيئة ضوئية يعجز الانسان على رؤيته، ربما تكون أشعةً تحت الحمراء أو فوق البنفسجية، ولا يُسمع صوته على نفس درجات وذبذبات الانسان، إما تحتها وإما فوقها، وهذا يعني أنه يقع في الجانب السالب من حياتنا.. ولكننا في المقابل لا يمكننا تجاهله أو عدم الاعتراف به كمخلوق يعيش بيننا.. وقد ذكره الله عز وجل في مواقع كثيرة من كتابه العزيز وخصص له سورة كاملة [سورة الجن].. ويبقى الأمر محيراً في حالة “كاف الجنون” وغيره من المواقع، من حيث كيفية ظهور الجان ليراه الانسان ويسمعه ويتعامل معه، وسيكون الأمر محيراً أكثر إذا استخدم الإنسان المعاصر عدسة نقاله لتصوير مشهد من تلك المشاهد أو تسجيل صوت من تلك الأصوات، أو نصب “كاميرات” سرية حول الكاف ليقيم الحجة وينهي الجدل..!

من غرائب جنوب ليبيا (كاف الجنون) (الصورة: الدكتور عبدالعزيز الصويعي)
من غرائب جنوب ليبيا (كاف الجنون) (الصورة: الدكتور عبدالعزيز الصويعي)

وأخيراً أقول:

تتوالى الاكتشافاتُ والاختراعاتُ وتتكاثر النظرياتُ العلميةُ كل يوم بل وكل ساعة، وهذا دليل على أن سرَّ الحياةِ لم يُكتشف كاملاً بعد، ولا يزال الغموض يكتنف هذا الكون مترامي الأطراف، فمهما تعلّمنا نبقى قاصرين، وما أوتينا من العلم إلاّ قليلاً، فالله يعلم وكثيرنا لا يعلم [قُلْ هَلْ يَسْتِوِي الّذِينَ يِعْلَمُونَ والّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ، إنَّمَا يَتَذَكّرُ أُولُوا الألْبَابِ] صدق الله العظيم.. والسلام عليكم.

مقالات ذات علاقة

المثقفون وفن اللامبالاة..

عبدالله عمران

ذهبي الجنوب

فاطمة غندور

وطن الغزلان

مأمون الزائدي

اترك تعليق