الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
دشّن صالون صحيفة الصباح (الثقافي، الأدبي، الفكري) أولى جلساته الحوارية تحت رعاية الهيئة العامة للصحافة، وذلك مساء الأحد 5 من شهر فبراير الجاري بقاعة صلاح الدين الطبال بمقر الهيئة وسط حضور كوكبة من الكتّاب والصحفيين والإعلاميين والأكاديميين، وقد افتتح السيد “عبد الرزاق الداهش” فعاليات الصالون بكلمة ترحيبية أعرب من خلالها على أهمية تبني مثل هذه النقاشات والقضايا الحيوية للارتقاء بمفردات لغة الحوار، وإعادة طرحها وتحليل وتبادل وجهات النظر والرؤى حولها بغية خلق عقلية نقدية جادة تستقيم مع الوعي الناضج، متمنيا المزيد من التوفيق والسداد لجميع القائمين على إدارة الصالون.
التأصيل المفاهيمي
فيما تولى الدكتور “جمعة عتيّقة” إدارة وتقديم مجريات الندوة المعنونة بـ(هُوية الاقتصاد الليبي)والتي شهدت مشاركة مجموعة من الأساتذة الجامعيين والمختصين بعدد من الورقات البحثية والعلمية وهم : الدكتور “حسين فرج الحويج” أستاذ الاقتصاد المساعد بكلية الاقتصاد والتجارة جامعة المرقب الذي تناول من خلال ورقته اقتصاديات الموارد الريعية ورهانات التنمية المستدامة في ليبيا حيث أوضح ماهية الاقتصاد الريعي ومدى اعتماده على إنتاج سلعة واحدة واعتماده الأساسي على مصدر وحيد للدخل، وغالبا ما تكون هذه السلعة هبة طبيعية تتمثل في الموارد الطبيعية مما يضعف فيه دور القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة ما ينتج عنه وجود اقتصاد استهلاكي يسبطر فيه قطاع الاستيراد فقط، كما عرّف الدكتور الحويج الدولة الريعية باعتبارها الكيان المسيطر بشكل كامل على مصدر الدخل مما يخوّل لها أن تجمع الايرادات وتستأثر بعملية الانفاق مشيرا أنه من هذا المنطلق يظهر التأصيل المفاهيمي في الدولة الريعية، من جانب آخر استدل الدكتور الحويج أثناء عرضه بالمؤشرات الأولية لتشخيص الواقع الاقتصادي بالأرقام الموضحة لحجم حصص القطاع النفطي في الناتج المحلي ما بين أعوام 2010 و2017 و2020م، معرِّجا على مفهوم الاستدامة الاقتصادية، والتنمية المستدامة مؤكدا بأنهما تعتمدان على أبعاد وشروط لابد أن تتحقق منها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
كسل صانع القرار
بينما قدم الدكتور “يوسف يخلف” الأستاذ المشارك بقسمي الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية بأكاديمية الدراسات العليا إحاطة عن الهوية الاقتصادية الليبية مضيفا بالقول أنه حينما تبحث عن كلمة الهوية في تاريخ الفكر الاقتصادي نجدها ارتبطت بهذا العلم قبل أن يكون علما قائما بذاته، ولو عدنا إلى الحضارات القديمة نرى بأن الحضارة اليونانية مثلا بعالميها الشهيرين أفلاطون وأرسطو حاولا تقسيم العمل والتخصص برغم أن التعريف لم يكن دقيقا ، ومن ثم تضافرت هذه الهوية وأخذت ترسّمها وتشكلها خلاف تطور الفكر الاقتصادي من العصور الوسطى والحضارة الإسلامية وصولا إلى العصر الراهن، كذلك تضافرت النظريات الاقتصادية التي تتحدث عن مبدأ الميزة المطلقة النسبية والنظريات المتضافرة إلى النظرية الحديثة كلها تسعى وتهدف لتخصص الدول لما تمتلكه من مزايا إما مطلقة أو نسبية، وأشار الدكتور يخلف أن الفكر الاقتصادي وغيره من التخصصات يحوي على الكثير من التضارب فالبعض يرجع هذا التضارب لبرنامج النظريات وتطور وتخصص الأم والبعض الآخر يرجعها للموارد بشقيها البشرية والمادية والبعض يرجعها لتصنيف الدول المتقدمة الصناعة والدول النامية الفقيرة وأردف قائلا إن التباين في تحديد الهوية الاقتصادية بوجه عام سنلاحظ حوله تضارب كبير جدا، وأكد الدكتور يخلف أن الاقتصاد الريعي في ليبيا يجعل صانع القرار كسول نظرا لسهولة الكسب والانفاق، وبالتالي لا يهتم بالسعي لبناء اقتصاد حقيقي ومنتج.
تشوّهات الاقتصاد
كما شارك الدكتور “محمد ترميش” بورقة عن الاقتصاد الليبي 2020-2022م، وأوضح الدكتور ترميش أن ورقته تهدف إلى محاولة تشخيص واقع حالة الاقتصاد الليبي بما هو قائم وإمكانية اقتراح بعض مجموعة من الحلول المناسبة التي قد تساعدنا على الوصول إلى ما يجب أن يكون على الأقل تهذيب الحالة التي نحن عليها الآن، وأضاف قائلا بأن هذه الورقة انطلقت بنقطة حول مضمون الاقتصاد الليبي وتركيبته علاوة على البحث عن المشكلة الجوهرية للاقتصاد الليبي، وتابع بالقول إن الاقتصاد يمثل كل الموارد الطبيعية والبشرية والمالية إضافة لما يملكه القطاع الخاص سواء كان محلي أو أجنبي فهو يدخل ضمن منظومة تفاعل الاقتصاد لأي دولة، وهذه الموارد تتفاعل فيما بينها لتنتج لنا الطاقة والانتاج، مشيرا أن لكل دولة خصوصيتها فهناك محددات في كل دولة ومواردها وامكانياتها الاقتصادية ونوع نشاطها وسوقها ومدى مساهمتها في النشاط الدولي والإقليمي، وهذه المحددات تختلف من دولة لأخرى تبعا لامكانياتها، وبيّن أن المؤشرات الاقتصادية تظل جزء من عملية إرشاد متخذ القرار ويقوم بدوره بدراستها ويأخذ بكل العوامل المؤثرة في القرار ليضعهم في عين الاعتبار حتى يتسنى له اتخاذ القرار أو البديل الأمثل، وأضاف موضحا أن المشكلة في الاقتصاد الليبي تكمن في تدني مستوى أداء الإدارة العامة خلال العشرة سنوات الأخيرة وما نطالعه من قرارات عشوائية ودون دراسة ودون الاستئناس بآراء المرجعيات في علم الاقتصاد، ويرى الدكتور ترميش أن هذه التراكمات أدت لزياة حدة التشوهات في الاقتصاد الليبي، وقبل اختتام الندوة الحوارية فتح المجال للمداخلات والتعقيبات أمام الحضور.