يعاد نشره بمناسبة مرور 110 عام على سقوط اول طائرة خلال المواجهات العسكرية
“اليوم قررت أن أحاول إلقاء قنابل من الطائرة… هذه هي المرة الأولى التي سأحاول فيها ذلك ، وإذا نجحت ، سأكون سعيدًا حقًا لكوني أول شخص يفعل ذلك.”
هذا ما كتبه الملازم أول جوليو جافوتي (Giulio Gavotti) من احد معسكرات الغزاة الطليان بطرابلس في رسالة إلى والده ارسلها له في شهر اكتوبر من عام 1911 .
في بداية غزوها لليبيا شحنت ايطاليا عن طريق البحر بعض الطائرات لاستخدامها في عمليات الاستطلاع الجوي لاماكن تواجد المجاهدين الليبيين المدافعين عن ارضهم وعرضهم… وكانت جميعها طائرات غير معدة ولا مجهزة لخوض الغارات والمعارك الجوية كما هي الطائرات الحربية اليوم، فلم يكن قد مضى على اختراع الشقيقان الأمريكيان أورفيل وويلبر رايت لأول طائرة عرفها العالم والتحليق بها بنجاح عام 1903 سوى ثماني سنوات .
بعد كتابة رسالته لوالده بأيام قليلة وفي اليوم الأول من شهر نوفمبر 1911 قاد جوليو طائرته من طراز (Etrich ) وهي طائرة من تصميم المهندس النمساوي ( Igo Etrich ) وحلق بها على ارتفاع 600 قدم فوق احد معسكرات المجاهدين الليبيين بمنطقة عين زاره وهي ضاحية من ضواحي طرابلس حاملا معه حقيبة تحوي 4 قنابل زنة كل منها 1500 جرام .
لم يكن أمام جوليو من طريقة لألقاء هذه القنابل إلا بإخراجها من الحقيبة واحدة تلو الأخرى مستخدما احدي يديه لانشغال اليد الأخرى بالإمساك بمقود الطائرة وكان عليه نزع تأمينة كل قنبلة منهم قبل تدليتها خارج الطائرة بعيدا عن الجناح ثم ارخاء قبضته عنها لتسقط نحو الأسفل ومتابعتها بنظره حتى تصطدم بالأرض وتنفجر مخلفة غبار متصاعد في الهواء .
جميع المصادر تشير إلى أن القنابل التي ألقاها جوليو ذلك اليوم بطريقته البدائية لم تؤدي إلى خسائر في الأرواح أو اصابات بين المجاهدين ولكنها سجلت تاريخيا كأول استخدام للطائرات في الغارات الجوية خلال الحروب.
بعد القاء جوليو لقنابله احتجت الدولة العثمانية التي كانت وحتى ذلك التاريخ هي السلطة الحاكمة في ليبيا على استخدام ايطاليا للطائرات في القاء القنابل وهو ما تحرمه معاهدة لاهاي الدولية إلا ان ايطاليا تحججت بأن معاهدة لاهاي نصت على عدم استخدام المناطيد وما شابهها من وسائل طيران ترتقي وتطير باستخدام غاز الهيليوم الذي هو اقل وزنا من الهواء وليس الطائرات التي هي اكبر وزنا من الهواء وتطير بمحركات.
استمرت ايطاليا في استخدامها للطائرات في مهاجمة قوات المجاهدين بعد ان سجل التاريخ استخدامها للطائرات لتنفيذ أول غارة جوية على مستوى العالم… إلا أن التاريخ وكما تفيد بعض المصادر قد سجل أيضا أن الليبيين هم أول من اسقط طائرة للعدو خلال المعارك الحربية وذلك بإسقاطهم لطائرة ايطالية فوق العزيزية يوم 13 مارس 1912 وان كانت مصادر اخرى تفيد بأنها قد سقطت نتيجة خلل في اجهزتها وليس لأصابتها بنيران بنادقهم ولكنه يبقى تاريخيا وفي كلتا الحالتين أول سقوط لطائرة يسجل عالميا خلال معارك حربية .
الملازم أول الايطالي جوليو جافوتي الذي القى بقنابله على الليبيين في اول غارة تستخدم فيها الطائرة قدم للعالم بعمله هذا فكرة الحرب من الجو ممهدا الطريق أمام كل الأهوال التي سيجلبها ذلك على البشرية… فالغارات الجوية التي افتتحها ستدمر مدنا اوروبية بكاملها فوق رؤوس سكانها والملايين من المدنيين سيقتلون في الحربين العالميتين الأولى والثانية التي كانت الأراضي الاوروبية هي مسرحهما الرئيسي… كما ان طائرتين امريكيتان ستلقيان بأول قنبلتين ذريتين فوق مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتان لتدمرا المدينتين وتقتلا سكانهما وتخلفان اشعاعا نوويا مؤثرا على الكائنات الحية في محيط متسع حولهما لسنوات وسنوات وبما لا يقارن بالغبار الخجول الذي تصاعد من مكان انفجار قنابله الأربعة التي القاها على عين زارة الليبية.
ان شيطنة العلم واساءة استخدام المخترعات الجديدة التي بدأها هذا الملازم الايطالي بفكرته تلك في مهد صناعة الطائرات هي التي فتحت أول باب لاستخدام الغارات الجوية في الحروب لقتل الملايين من البشر بمن فيهم عشرات الآلاف من اهل بلده ايطاليا .
فهل لو علم نتيجة عمله مسبقا سيكون سعيدا بكونه اول شخص يفعل ذلك كما ذكر في رسالته التي ارسلها من طرابلس لوالده في ايطاليا ؟