من أعمال التشكيلية خلود الزوي
المقالة

حَمْرَا وجِرّايَة

من أعمال التشكيلية خلود الزوي

مقتنعا ألا جدوى اقتصادية من صرف المليارات على الكهرباء والماء، أنها أرض شاسعة بقلة سكانية محزنة. قال الأستاذ، هذا حقيقي. إنها أرض شاسعة. فهي تعادل 42 مرة مساحة هولندا، فيما يعادل عدد سكان تلك البلاد الصغيرة والبعيدة ثلاثة أضعاف الليبيين، كثافة سكانية عالية لا تجعل الإنتاجية محدودة أو تقل، كما يقول الاقتصاد أيضا، لماذا تعمل عندنا فقط النظريات السيئة. غير أن جريدته تتباهى لما لا يقل عن العشرين عاما بالـ24 ألف كيلو متر معبد من الطرق. في أراضٍ تبلغ تقريبا مليون وثمان مئة كيلومترمربع . كان ذاك رئيس تحرير لجريدة يومية، مبررا الخواء.

لا تفهم أمي كيف أتذكر أمورا حدثت وأنا في عمر الثلاث سنوات، إنها ومضات يا أمي، مثل البرق، تضيء مشهدا واحدا فقط، دون تفاصيل سابقة له أو لاحقة. أنا أيضا لا أفهم.

وميض: أنا وأبي وأخي الذي يصغرني بعام واحد.. ثلاثتنا فوق دراجة كبيرة، أبي على المقعد وأنا أمامه أجلس بشكل جانبي على جسد الدراجة حيث يرتبط المقعد بالمقود فيما يجلس أخي في سلة أمامية مثبتة إلى المقود، أضغط جيدا بقبضتيَّ على المقود فيما أتألم من قسوة مجلسي خصوصا عندما نزل إطارها في حفرة صغيرة ربما خاصة بالبيلي (البطش) أو نمل فالطرق في السوالم لم تكن معبدة لا أدري عنها الآن.. المهم أن ذاك النزول الضئيل ضاعف من تشبثي وألم جسدي لأنني نططت لملميترات لأسقط من جديد فوق الجسد المعدني القاسي، غير أني لم أبكِ، أو على الأقل لا أتذكر.

أمنيتي نقود الطيارة. تقول أغنية الأطفال، لو تركوني لفضلت “أمنيتي نقود الدراجة، نطوف الأرض أنا واندادي”. ولكن ذاك الصغير كان جادا في أغنيته ومنطقيا، فمن السهل أن تصبح طيارا حربيا على أن تكون فتاة كبيرة تقود دراجة، أما أنا الفتاة الكبيرة تنتعش أمنيتي في الأزمات متى تجددت طوابير البنزين، أيام قصف (الطيايير ) في العام 2011 وقبلها حين عجزتُ عن شراء سيارة، وهكذا ظلت أمنيتي في جيبي، إلى أن وقفت داخل متجر الدراجات بمدينة كامبن واخترتها، زهرية اللون كما لو لازلت هناك بشارعنا القديم في الرابعة عشر، وكبيرة وعالية كما دراجة أبي وأنا في الثالثة، فيما تبدو طرابلس الشحيحة على الحالمين والأمنيات الصغيرة والمهدورة فيها بلا حساب، مختنقة بسياراتها المتراصة فوق الإنجاز المعبّد.

دروس الاندماج تعني أن يكون الغرباء جزءا من المجتمع، إنها تفتح الأبواب الضرورية لفهم مايجري حولنا وترك الخيار لمن يرغبون في المزيد من التفاصيل لفضولهم واجتهادهم الخاص.. واحد من هذه الدروس كان¬ علامات المرور الخاصة بقيادة الدراجات.

وميض: أنا وأخي أيضا في عمر أكبر كنت في الرابعة أو الخامسة أرتدي سروالا قصيرا (شورت ) أزرقَ مع قميص (تي شيرت) بلا أكمام مخطط بالعرض بالأزرق والأصفر. أنا فوق دراجتي بعجلتين (لا أتذكر لونها) وأخي فوق دراجته الحمراء بثلاث عجلات.. فيما يجلس أبي على الرصيف المقابل لبيتنا يراقبنا ونحن نلعب ويتبادل الحديث مع عمي صالح.. كان ذلك في السبعينات في نفس الفترة كان عدد كبير من الهولنديين يقودون السيارات وأعداد أخرى تتزايد تقود الدراجات وقرروا أن يقودوا مظاهرات تطالب بمسارات وطرق خاصة بالدراجات بسبب ارتفاع الحوادث، ونجح الأمر ومذاك مدت المسارات حتى غطت كامل تراب المملكة.

35 ألف كيلو متر من الطرق الحمراء التي تحقق المستحيل في المثل الليبي الذي ينهر المتتطلب (حمرا وجرّاية وماتاكلش شعير) فهذه الطريق الحمراء التي تعادل محيط الكرة الأرضية تتلوى في مساحة 40,844 وتحقق للهولنديين كل الأهداف دفعة واحدة فالدراجة صحية لشعبٍ الرياضة في جدوله، ومواصلات رخيصة لشعب يقدر قيم السنت، وعملية في المدن الكبيرة المكتظة لشعب يحترم المواعيد ويقدر قيمة الوقت، أنيقة سواء انطلقت بها للعمل، أو للنزهة فضلا عن التسوق، وسهلة بسبب أن هولندا بلد مسطح وبلا عوائق طبيعية، إذ يقدر متوسط المسافة المقطوعة سنويا ب 900 كم للشخص ومن غير المستغرب أن يتجاوز عدد الدراجات عدد السكان، وأخيرا ، الفتسن هي جمع دراجة بالهولندية كما وأنها فعل قيادة الدراجة، والتي أمارسها بانغماس تام فوق (الكيّاس) الأحمر وإن بعد حين طويل نسبيا ولكن مع (اندادي).

مقالات ذات علاقة

برنامج الدكتوراه في ليبيا إلى أين؟!

هاجر الطيار (الأردن)

القِــرَاءَةُ : فَــنُّ الحَيَاةِ الرَّائِــعِ

خالد السحاتي

رمضان الأفريقي

فاطمة غندور

اترك تعليق