الذكرى الأولى لوفاة الكاتب والتشكيلي رضوان أبوشويشة
الشمس تغرب خلف أبراج طرابلس.. والمرأة التي قلتُ لها: (إما أنتِ وإلا فلا..) تدرج جنوبي ميدان الجزائر في فستان من لون حجارة البراكين الليبية الميتة المبعثرة بين البحر والصحراء.
أحرك الساكن، أتأمل الساكن المتحرك بين عينيها العسليتين. أجلس على درجات جامع عبد الناصر. تُغرّد عصافير القصبي في شجر الجامع كالمطر الذي تنسفه الريح.
صديقي القديم علي يشعل لفافتي المرتعشة يبتسم ابتسامة تفيض بالمرارة، ويمشي إلى بيته القريب يجرجر خيبات ثقيلات مثلي.
تُغرّد عصافير شجر الجامع كالمطر، الذي تنسفه الريح.
أرى في نفسي عام 1966: مع صديقي علي في مناجم شمال ألمانيا.. في حدائق هامبورج.. في مهرجان عيد البيرة في ميونخ، نقبل صويحباتنا الجرمانيات.
تُغرّد عصافير شجر الجامع كالمطر، الذي تنسفه الريح.
أرى في نفسي عام 1957: في شارع أربع عرصات أشتري حلوى من دكان الحاج المصراتي بنقود مسروقة.. من أخي.
تُغرّد عصافير القصبي في شجر الجامع كالمطر الذي تنسفه الريح.
أرى في نفسي عام 1959: في سوق الثلاثاء.. ظلي يقع على أطفال عميان يتسولون ينشدون.
يا رجال الله الصالحين.
يا رجال الله الصالحين.
اشتري حلوى من دكان الحاج المصراتي بنقود مسروقة.. من الشحاذين.
تغرد عصافير القصبي في شجر الجامع كالمطر الذي تنسفه الريح.
أرى في نفسي عام 1991: أمام جدمور شجرة طفولتي البحرية، كانت عصفورة تنوح عشها المقلوب في الأوصال المقطوعة. أفتش عن حفر اسمها.
هنا توغل الفأس في حروف المرأة التي قلت لها (إما أنت.. وإلا.. فلا….)
تُغرّد عصافير القصبي في شجر الجامع كالمطر الذي تنسفه الريح ..