حتى كتابةِ هذه السطور ثمة سفينة هائمة تحمل مئات اللاجئين منعت الفاشية رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني رسوّها في الموانئ الإيطالية. يبدو أنّ هذه السيدة لم تدرس التاريخ بشكل جيد؛ أراهن أن درجتها في مادة التاريخ لم تكن أكثر من واحد من عشرين درجة.
ألم تدرس السيدة تاريخ روما وقصةَ النسوة الآتي حرقن المراكب…؟
طيب لنذكرها بقليلٍ من ذلك التاريخ؛ فلولا حرب طروادة لما كانت روما.
دعونا نذكرها بتلك الحرب التي بدأت بامرأة وانتهت بحصان.
(1)
كان لملك طروادة ابنٌ هو الأمير “باريس”؛ عندما ولدته أمه قالت العرافة للملك أنّ هذا الأمير سيجلب سوء الحظ لطروادة فيقرر الملك أبعاد الأمير عن القصر فيصبح راعيا للأغنام.
أتت ذات يوم ثلاث آلهات كي يختار باريس من بينهن أجمل النساء، كان ذلك أول “مسابقة جمال ” في التاريخ وكان على باريس أن يختار من بين “تيرا” و “أثينا” و”أفروديت”. وعدت الأخيرة باريس أن تعطيه أجمل امرأة من بين البشر إن أختارها هي ملكة للجمال فأختارها فوعدته بامرأة تدعى “هيلين”
لكن ثمة مشكلة: هيلين هذه متزوجة بملك إسبرطة.
(2)
يذهب باريس إلى ملك إسبرطة الذي يحسن ضيافته لكن في الصباح التالي لا يجد الملكُ لا هيلين ولا باريس ؛ لقد اختطف باريس هيلين وحملها معه إلى طروادة فقامت حربٌ بين المدينتين دامت عشرة سنين لم تنته إلا بعد أن لجأ أهل إسبارطة إلى الحيلة فبنوا حصانا هائلا من الخشب ظنه أهلُ طروادة حصانًا حقيقيًا فتمكن جنود إسبرطة من دخول طروادة هرب الأمير اينيه إلى ليبيا كما يقول فيرجيل في الانيادة وبدأ الانتقام من أهل طروادة الذين قرروا الهروب على ظهر سفن حملتهم عبر العواصف إلى حيث لا يدرون وكانوا ينتقلون من ميناء إلى ميناء تائهين.
كتب المؤرخ “بلوتارك” بقية القصة في فصل من كتابه «من أفعال النساء الطيبة»
: ” ثمة أفعال بطولية وقرارات حاسمة قامت بها بعض النساء لم يهتم بها المؤرخون قبلي فرأيت أن أدخلها في كتابي هذا ومن تلك الأمثلة ما حدث مع نساء طروادة اللاتي كنّ على ظهر مراكب مع أزواجهن الهاربين من طروادة الذين لم يكونوا يحسنون الإبحار فكانت الأمواج والرياح تحملهم من ميناء إلى آخر حتى حطت بهم في نهاية المطاف على شواطئ إيطاليا فبقوا هناك للراحة وعندما ذهب الرجال للصيد وبقت النسوة عند الشاطئ قررت النسوة أنّ البقاءَ على تلك الأرض هو خير من الإبحار دون هدف وأن عليهم أن يتخذوا من ارض ايطاليا وطنا جديدا … فكرت النسوة في أمر أتفقن عليه وهو حرق المراكب كلها وكانت امرأة تدعى “روما” هي أول من أحرق المراكب فقامت الأخريات بالفعل نفسه وعندما رأي الرجال مراكبهم تحترق الواحدة بعد الأخرى عادوا إلى الشاطئ غاضبين فقامت النسوة بتهدئة أزواجهن بالقبلات والحنان حتى قبلوا بالأمر وهدأوا وبنى أهلُ طروادة ما يعرف الآن بإيطاليا حيث استقبلهم أهلها خير استقبال.”
لماذا نسيت كل هذا؟
Perché ?
د. محمد قصيبات
نشرت المقالة بتاريخ 15 نوفمبر 2022 (صحيفة الحياة الليبية)
للمزيد ها هي بعض المراجع
* Dictys de crete: histoire de la guerre de troie livre V
* Plutarque : Oeuvres des femmes . action courageuses (oeuvres de plutarque)