سألوه إن كان قام بواجب العزاء لجيرانه الذين يقيمون بأول الشارع في “الزيغن”، فقال لهم: ماذا عن الذين يموتون في بغداد؟ مَن يعزي عليهم؟!
كان الراحل “محمد الصغير” يجلس أمام باب منزله وبيده سيجارته المعتادة، يشعر بآلام الكل، القريب والبعيد، يحزن ويكاد يبكي على الذين بالعراق تحت القصف الأمريكي بـ 1998 مثل الذي واروه الثرى في بلدته بجنوب ليبيا.
هو بشكل أو بآخر يقول لنا اليوم أن الصراخ على إهمال الشاعر “مفتاح العماري” بمستشفيات تركيا ينبغي أن يكون صراخاً جماعياً على ليبيا المهملة بأروقة الأمم المتحدة، لا تشتتوا صرخاتكم فتتلاشى مطالبكم رخيصة.
لم يكن (رحمه الله) مثقفاً بطريقتنا التقليدية التي تقرأ الكتب وتكتب الروايات والشعر، لا لا، هو بسيط ولا أظنه حتى يقرأ ويكتب، لكنه عميق وشامل في نظرته، ولو كان الرجل على قيد الحياة وطرقنا بابه ليصرخ معنا على الشاعر مفتاح العماري لأخذنا الى جانبه نطالع من نفس الزاوية الواسعة على كل مدن وقرى ليبيا، إلى حشد جماهير نادي الأهلي في طرابلس والأهلي في بنغازي، وإذا يوجد أهلي في سبها، إلى حشد أكبر عدداً من طبول ودفوف الصوفية في زليتن وأوجلة وغات، إلى حشد كل أسر المهملين في المستشفيات وفي الشوارع الخلفية، إلى حشد كل الأسر عدا أسر الشهداء، إذ لا شيء دمر بلادنا كما دمرها صمتنا نحن الذين نحسب انفسنا من شريحة المثقفين، وهم يزيفون امامنا فكرة الشهيد.
أنا على يقين لو محمد الصغير الذي من الزيغن ما زال على قيد الحياة، وسألناه عن الشهداء وأسر الشهداء، لكان رده قاطعاً لا يقبل الجدل، بأن شرط نجاح أي حراك في سبها وطرابلس وبنغازي هو إبعاد الشهداء وأسر الشهداء عن هكذا مشاريع وطنية، عندها فقط يستيقظ الوطن من سباته، وننزل إلى شوارع سبها وطرابلس وبنغازي بدون شهداء، لنطيح بما هو قائم كما أطحنا قبلها بالذي سبقه، وعندها فقط يتم نقل مفتاح العماري من تركيا إلى ألمانيا – نزولاً عند رغبة أهله وذويه، ويتم نقل الكاتب المسرحي “حمادي المدربي” الذي يُشرف على الموت من سبها إلى الإسكندرية أو صفاقس (فنحن في سبها لا نطلب أبعد من الإسكندرية)، وعندها فقط يا صديقي نستعيد وطناً يباع اليوم في الاسواق، ونفرح ونحتفل ونطلق ألعاب الزينة في الهواء، أما الصراخ الفردي حتى لو أعاد للشاعر مفتاح صحته فلن يعيد لليبيا قصيدتها المنشودة.