يوم تخرج أخي الأصغر اصبح البيت فجأة كخلية نحل، كل منا يجهز نفسه ويرتب ملابسه لحضور الحدث السعيد…
.. رجع أخي الأكبر أحمد من عمله، ملابسه متسخة ببقع زيوت السيارات وشحومها، ووجهه المتعب يزدحم بالتساؤل.
…أخبرته بوجهتنا، تهلل فرحا …ثم قال بارتباك.:
(ابي ……) ….
عقب بعدها بنبرات دافئة:
-سأشارك أخي فرحته.
أحمد، الوحيد بيننا الذي لم يوفق في دراسته، كنا ننجح بتفوق كل سنة ويتعثر هو، دائما يقول انه يحاول وهو يفعل.. ولكن دون جدوى، اشعر بالحزن كلما اخبرني عن عجزه وقلة حيلته مما اضطره في النهاية الى ترك الدراسة والعمل عند ميكانيكي لا يبعد عن بيتنا كثيرا….
أكثر شيء يجيده ويتفنن به هو مسرح العرائس، يصنعها بنفسه، يختار لها اقمشة جميلة لها ألوان براقة ويحشوها بالصوف ليكسبها حجما، يمهر في شد الخيوط الحريرية التي تحركها، لتصبح شبيهة بالتي نراها في واجهات المحلات، يتقن التمثيل بها ويقلد صوت الأنثى في جملة يكررها كل يوم…
_لما لم تنجح يا احمد؟
.. ترد الدمية الأخرى وهو يهزها ويحرك اذنيها بطريقة جنونية:
_ حاولت لكنني غبي…غبي…. غبي.
ننفجر ضحكا بفرح طفولي عندما يقول هذه الجملة، تبدو على وجهه علامات السرور عندما يرى سعادتنا، لم يكن يملك اسلوبا جيدا للتعبير عن نفسه وعن حبه لنا لكننا ندرك ان له قلبا كبيرا يحتوينا جميعا
، يدخل ابي وقد تقاسم الغضب وخيبة الأمل قسماته:
_لم تفلح سوى في هذا…! انت اكبرهم …الا تستحي من نفسك يا فاشل؟
يوبخه ويكيل له الشتائم….. لا يرد بل احيانا يضع ابتسامة على وجهه…لكنني اسمع بكاءه في جوف الليل واشاركه دموعه دون ان يدري
ذهبنا جميعا الى الحفل، اتى احمد بعدنا بقليل. رأيته يصفق بحماسة والفرح يفيض من محياه وهو يرى أخي الأصغر يخرج ليستلم شهادته …. بدأنا التصوير.
انا عادة من يقوم بهذه المهمة، التقطت الصور التذكارية لأخي المحتفى به مع أبي وأمي، مع اصدقائه واساتذته، مع بقية اخوتي، اشار لي احمد بيده ليأخذ دوره في التصوير واخرج العرائس من كيس يحمله واخذ يحركها ضاحكا، رأيت أبي يهمس له كلاما في أذنه.
نظرت لأحمد اريد ان ادعوه للتصوير وجدته قد غادر المكان.