المقالة

الزغرودة

من أعمال التشكيلية الليبية مريم العباني.
من أعمال التشكيلية الليبية مريم العباني.

أحسب أنها  أقدم نغم، اهتدت  إليه المرأة، لتعبر به عن حالة  فرح،  تطرأ على حياتها فجأة، فقديما  و كما الآن، إذا ما زفّ إليها خبر  يثير الفرح و يبهج القلب، كنجاح  ابن  مثلا أو انتصار  زوج،  أو أوبة غائب،  أو أياّ من تلكم الأحداث  السارة  التي تحدث فجأة،  نسمعها تسارع  إلى إطلاق زغرودة، معلنةً عن بهجة  و غبطة  غمرتها، فيسمعها الجار و جار الجار، ليطير الخبر بعد ذلك إلى الحي بكامله، فالزغرودة  هنا بمثابة إعلان عن حالة فرح،  يستهدف به الجيران  و أهل الحي  بكامله،  و كل من يسمعها، و الذين سيكون من بينهم،  من يتجاوب مع   الإعلان و يلبي و يسرع إلى تقديم التهاني و  المشاركة في لحظات الفرح و الانتشاء، فهي  أي الزغرودة تقابل هنا  صرخة الألم، حين تطلقها امرأة شابة قوية حالما  تفاجأ   بخبر وقوع  مكروه، حفظنا الله و إياكم   .  والزغرودة مرتبطة في إبداعها بحنجرة المرأة، مع حركة أفقية للسانها وكمية من الهواء مندفعة إلى الخارج، ومما تتميز به الزغرودة، كما نعْرفها إمكانية إطلاقها حين إجادتها وإتقانها   في أي أوان ودونما شرط، وفي أي وضعية تكون عليها المرأة، جالسة كانت أو واقفة، راكبة أو راجلة، فهي بهذا تتميز وتختلف عن أي نغم أخر اهتد إليه الإنسان كالمزمار مثلا أو الناي أو الطبلة.  وأحسب أيضا أن مجتمعات أخرى عرفت الزغرودة، وإن أخذت شكلا مغايرا.

ومن باب التفكه والطرفة، يسوقون في مدينة درنة، حكاية مفادها أنه من ترغب بين النسوة في اكتساب مهارة الزغردة، وحسن إتقانها، ولا أظن بينهن من لا تميل إلى هذا، عليها أن تلعق لسان ضفدعة   أمّا لماذا لسان ضفدعة؟ نقول اشتهرت مدينة درنة، منذ القدم بوفرة مياهها العذبة، بل هي أس إنشائها وظهورها، فكانت سواقيها ذات يوم ولّى، تصل متدفقة إلى كل شبر فيها، لريْ مزارعها و ” سوانيها ” وبساتينها. ومن المعروف ارتباط وجود الضفادع وبكثرة بالمياه ووفرتها، فكنا نسمع نقيقها ” صوت الضفدعة ” في كل ما كان، وكل أوان، خاصة أوان الصيف، عندما كانت تُورق دوالي العنب، التي ما كان هناك بيت في مدينة درنة عدا القلة يخلو منها، وكنا نسمي أقصد نقيق الضفدعة بالزغرودة، ومن هنا جاءت الحكاية الطرفة، ومن يدري فجلّ صبايا المدينة، كنّ يتقن فن الزغرودة، ولم يشنف أذناي وحتى اللحظة مثلها أبدا.. وكان يا ما كان في سالف العصر والأوان.

مارس / 2022م /طرابلس

مقالات ذات علاقة

كيف تكون أميراً ساخرا في بلد أنجب ملوك الكاريكاتير؟؟

زكريا العنقودي

رمضان الأفريقي

فاطمة غندور

أين ليبيا التي عرفت؟ (4)

المشرف العام

اترك تعليق