هناك مقولة رائجة يرددها الكثيرين في سياق حديثهم عن طبيعة الليبيين بأنهم “شعب طيب” وهي مقولة يحاول الكثيرين تسويقها عن طبيعة الليبيين ليصدقها من لم يولد ويعيش في ليبيا…
ولكن مع الاحترام لهذه المقولة الجميلة إلا أنها قد تصدق على الليبيين في مراحل سابقة قبل دخول الألفية الجديدة التي غيرت كثيرا من طبيعتهم، وتفكيرهم وإحساسهم ونظرتهم للحياة والعلاقات الاجتماعية تحديدا كنتيجة طبيعية لعصر العولمة والسعار الاستهلاكي المادي الذي نزع عن كثير من شعوب الأرض جمالها وبساطتها وترابطها وقيمها الجميلة.
علينا الاعتراف بأنه في الغالب وعلى المستوى الاجتماعي، لم يعد كثير من الليبيين يمتلكون الطيبة القديمة بمعانيها الإنسانية وبمفهومها الواسع، إلا ما رحم ربى من العاملين بالمنظمات الأهلية الذين يقدمون الخدمات والمساعدات للناس المحتاجة وأيضا القلة الغنية التي تقوم بالتصدق من ثرواتها على الفقراء والمحتاجين.
وبنظرة متمعنة على مدى عقود للعلاقات الاجتماعية بين الأهل والاقارب ستجد ان الأذى وسوء الظن والغيبة والنميمة هي القيم المتصدرة للعلاقات بين أغلب العائلات في المدن الكبيرة وتحديدا بمدينة مثل بنغازي والحديث، عن التراحم والمودة والعلاقات الاجتماعية بمعناها القديم القائم على المساندة والمعاضدة للقريب وخصوصا الفقير والمريض أصبح من القيم المندثرة في العلاقات الاجتماعية وغدا التشاوف والاستعراض والركض وراء العائلات التي تمتلك المال أو المناصب هو من صلب العلاقات الاجتماعية بين الليبيون.
لذلك أصبح من المعتاد رؤية عائلات من محدودي الدخل والأرامل بأولادهن يسكنون في بيوت عشوائية تفتقر لأدنى مقومات الحياة، وبالكاد يجدون ما يسد رمقهم دون ان يكون هناك أي تعاضد معهم من أقاربهم ورغم انه كثيرا ما يكون، لديهم أقارب ميسورين الحال ولكن لا أحد يهتم بهم أو حتى يقوم بزيارتهم ويقدم أدنى مساعدة لهم فهم في الأغلب متروكين وحيدين على حافة المجتمع الطيب المسلم!
لن أتحدث عما يلاقيه المريض الليبي من العائلات محدودة الدخل من تجاهل مجتمعي من أقاربه وجيرانه وعدم مساندة أو دعم مادي من أقاربه الذين كثيرا ما يكونوا مشغولين بمناسباتهم الاجتماعية الباذخة والتي لو قدموا بعض من نفقاتها إلى قريبهم المحتاج لانتشلته من العوز والاحتياج لسداد نفقات علاجه.
الطيبة والإنسانية ماتت مع الزمن الذي كانت فيه الناس متساوية في المستوى المادي قبل التغير الاستهلاكي الذي جعل الماديات أهم من البشر ورفقة الأغنياء وأصحاب المصالح هي الأكثر رواج في المجتمع وغدا فيها المال هو الغاية والهدف وليس هناك أي مانع من استخدام أي وسيلة مهما كانت للوصول إليه سواء عن طريق بيع المخدرات أو الأسلحة أو الخطف للحصول على فدية أو المتاجرة ببؤساء الهجرة الغير شرعية الذين يتعرضون للخطف والاغتصاب وطلب الفدية من المسلمين الليبيين الطيبين.
وهل بإمكانى التحدث عما يراه الجميع بتطبيق التوكتوك المعبر عن تفسخ المجتمع الليبي عبر الفيديوهات التي تظهر ما تقوم به الفتيات الصغيرات الفقيرات الهاربات من عائلاتهن، اللواتي سقطن في مهاوى الدعارة وبيع أجسادهن بتأثير من وسوسة اخريات رسمن لهن الطريق المعبد بالمال والثروة والسفر ليقعن في فخاخ شبكات الدعارة التي أصبحت تنتشر في المدن الكبرى مثل مدينة بنغازي ولو كان هناك تكافل مجتمعي وتعاضد كما كان قبل عقود طويلة لما وصل الأمر ببعض الفتيات الصغيرات الفقيرات إلى هذا المستوى ولكن الذى يحدث أن المجتمع أصبح يتفكك بعلاقاته القديمة المترابطة ولم يعد للأعمام والأخوال دور في الحماية والرعاية كما كانت قبل عقود نتيجة الأنانية وانحصار كل أسرة صغيرة بالاهتمام بشئونها دون تقديم الدعم والمساندة للعائلات القريبة منها ونتيجة لذلك يتم ببساطة التخلي عن الفتاة التي قد تقع ضحية هذا الطريق وينبذها الجميع عوضا عن انتشالها منه مما يجعلها لا ترى طريق غيره في ظل عدم تنفيذ القانون على من يدير مثل هذه الشبكات التي فضحتها صفحات التواصل الاجتماعي وأظهرت المخفي من العفن الموارب تحت سطوة السلطة المال.
أما الحديث عن انتشار المخدرات بين الشباب كانتشار النار في الهشيم فلم يعد له معنى لأنه أصبح من الأمور العادية بكثير من المناطق بالمدن الليبية، ويتم بيعها جهارا نهارا في الأكشاك على قارعة الطريق كما أن هذه الأفة التي انتشرت بمرور العقود هي السبب الحقيقي لوقوع كثير من جرائم القتل المرعبة التي غدت تطالعنا بين الحين والأخر ومن المعروف ان شبكات عصابات المخدرات تجلب معها عصابات الدعارة التي تعمل على جذب الفتيات الفقيرات برضائهن أو بالابتزاز وعن طريق العلاقات العاطفية الموهومة من أشخاص محترفين لجر الفتيات الفقيرات لهذا المستنقع الأسن الذى يأكل اجسادهن وأعمارهن ويحولهن إلى مستعبدات لتجار لمخدرات.
هناك كثير من العفن الذي يعيش تحت السطح البراق وإذا لم يتم كشف كل العفن أمام مرأى الجميع ولم تتم محاصرته، والقبض على رؤوس شبكاته بمجتمعنا فسوف يتوالد في الظلام وفى الخفاء وينفجر ويتمدد ويغزو السطح ويلتهم المجتمع في جحيمه المرعب.
دعونا من كل الكليشيهات التي نرددها عن طيبة المجتمع الليبي ولنفتح نوافذ الحقيقة والكشف وليقوم المتخصصين في الأعلام وعلماء النفس وعلماء الاجتماع بمناقشة ما يحدث بالمجتمع بدون مواربة وادعاء وأكاذيب كي تسطع الشمس وتزيل كل ما تراكم منذ عقود تحت السطح اللامع البراق للمجتمع الليبي الطيب المسلم!