الطيوب
استطلاع / مهنّد سليمان
يحتفل العالم اليوم 10 إبريل بيوم الشجرة العالمي حيث تحتفل كل دولة في أيام مختلفة عن غيرها فتختار اليوم الملائم للنمو، يوم الشجرة العالمي الذي انطلق الاحتفال به لأول مرة في إحدى القرى النائية بإسبانيا عام 1594م ليتوالى بعد ذلك تقليد الاحتفاء بيوم الشجرة كل عام، ويهدف الاحتفال للمحافظة على الغطاء النباتي والمساحات الخضراء، بينما يمر العالم اليوم بمختنقات مناخية قاسية تُهدد مستقبل كوكب الأرض بأسره، ونحن في ليبيا نعاني بشدة من تناقص الأحزمة الخضراء حول المدن وتراجع أعداد الغابات والفضاءات المفتوحة لاسيما خلال العشرية الأخيرة جراء الاعتداءات الممنهجة والمستمرة على المتنفسات الخضراء والزحف العمراني العشوائي عليها، ولاريب بأن يوم الشجرة العالمي يجيء في كل عام ليدق ناقوس الخطر إزاء كل تلكم الأخطار، وعبر هذا الاستطلاع حاولنا أن نكون على تماس مع عدة آراء لعدد من الكتّاب لمعرفة ما تشكله الشجرة بالنسبة للأديب والكاتب في ليبيا من أهمية وتأثيرها على البيئة المحيطة ؟ ومتى تقوم جهات الاختصاص بالاضطلاع بمسؤولياتها تجاه حملات التشجير؟ ولماذا لا يسعى الكاتب اليوم للمساهمة في الدفع بنشر ثقافة التشجير؟
الشجرة هي الأم
وحول منزلة الشجرة بالنسبة للكاتب تُشير القاصة والباحثة “جلنار أحمد” الشجرة.. أم الكون.. تعبر عن حبها باحتضان الجميع تمنح الفأس هراوة لرد الجميل بطريقته يقول شكرا يجتثها.. ليس فقط الفأس.. الكائن البشري كم عانت الأشجار من طريقته الغريبة في قول شكرا واستحالة الحياة.. ما الحل؟
وتضيف هناك طريقة قديمة جدا واحدة بواحدة تقتلع شجرة تغرس أخرى هذا هو الشرط الذي يحفظ للشجرة حقها من نهم الاسمنت الذي يبتلع الطبيعة
كيف للمبدع أن يتأمل خواء الجدران ليوناردو دي فنشي عندما نصحت الرسامين المفتقدين للإلهام أن يتأملوا شقا في جدار قديم يبدو أنك لم تجلس أمام شجرة لم تر مملكة تعج بالحياة كلها تفاصيل تغري باقتراف الكتابة…
حسنا لن نتحدث عن فوائد الشجرة للاحتباس الحراري والتوازن البيئي.. فالجميع يعرف ذلك
تحدثنا دائما بصوتها الحاني تهمس بكل حب.. نحس بثقلها وجعها وعطشها.. تعطي ولا تتبع منا ولا أذى تخترق أعماق الأرض وتبلغ عنان السماء من أجل من؟!
وتتابع بأن الجهات المختصة في الحقيقة هذا سؤال صعب لأن الجهات المختصة لم تعد تختص في أي شيء.. حيث أن الشجرة ستكون محظوظة إن نجت من فؤوس أهل الاختصاص ومتى عندما تكون للسؤال عن المستقبل ليس أمامنا سوى الإجابة بالأمل في أن تهتم تلك الجهات قبل أن يحدث مالا يسر الجميع سيما وأن التغيرات المناخية وزحف الرمال وكآبة المناظر الطبيعية أمر يخص كل الكائنات.
وتختتم حديثها: في الحقيقة أيضا.. لم يعد الكاتب قادرا حتى على ترويج بضاعته وترسيخ ثقافة الإبداع فكيف له أن يروج عوامل الإبداع.. إلا لدى الخاصة الذين ينصتون لحفيف الأشجار تغريهم المساءات ومزاجية الفصول يؤمنون بالصباح ويقرؤون رسائل العصافير.
الشجرة حكاية الكاتب
ويؤكد الكاتب “محمد بوعجيلة” على أن الشجرة بالنسبة للكاتب هي حكاية واستكشاف وإلهام وعزلة، وهذه نظرة أدبية بحتة
بينما عامة وعند الناس هي مكون أدبي حقيقي أيضا، فهي الظل، الذي يحتضن الناس في أيام الحر الشديد، وهي العطاء، تعطي ثمارها غالبا دون مقابل، وهي الحياة، تنتج عمليات حيوية تساهم في تبادل الغازات بين الكائنات الأخرى
حقيقة نحن البشر عالة على هذه الشجرة
تأثير الأشجار على البيئة، واضح وصريح لسكان الجبل الأخضر، بعد أن تعرضت للحريق بشكل كبير في السنوات العشرة الأخيرة، وكيف ساهمت في خلق جو من الرطوبة العالية، والجفاف، والحرارة العالية جدا التي لم تشاهدها مدن الجبل في سنوات سابقة
وكيف ساهمت في ارتفاع درجة البرودة كذلك بعد أن كانت الأشجار مصدات للريح
كما يشير لا أعرف بالتحديد، ما هو الظرف الذي تنتظره الجهات المسؤولة لكي تشرع في زراعة الأشجار المعمرة، وتوفير الأدوية المناسبة، وتكوين فرق مختصة لمتابعة المناطق الخضراء وحمايتها بقوة القانون وتجريم المعتدين وتغريمهم، ومعاقبتهم
لا أعرف متى تساهم ولكن عليها أن تستغل الموارد البشرية والتخصصات الجامعية التي لها دور كبير في الحفاظ على الموارد النباتية والحيوانية لما لها علاقة بيولوجية متكاملة بدلا من حملات تشجير عشوائية
يصنع الكاتب القصة، غالبا ما يقطع الحطب بالفأس، يشعل النار من الحطب، يحرك القدر بالعصاء، كل هذا الكادر يجعل في روح الكاتب المثقف، حسرة، وشعوره بدور السفاح دون مبالغة، رغم أن الكتاب عادة لا يبالون لهذه التفاصيل، بعكس المثقف، أو الكاتب المثقف، لا يعتمد في ناره إلا على الأشجار الميتة، يشارك الناس في حملة التشجير، يتناول قضية التصحر في أكثر من كتاب وقصة، يصاحب الطبيعة بشكل يكاد أن يسلم على الغابة ولو بصيص من ورد أو شجرة زيتون داخل بيته
مضيفا إن الكاتب الذي يهتم بإشكاليات الغابة في مقالاته، لا يهتم بإشكالياتها في الحقيقة، لأن الكاتب هنا لا يؤمن بحقيقة دور الكاتب قبل وقوع الكارثة
المثقف غالبا يهتم، ويؤمن أن دور المثقف قبل واثناء وقوع الكارثة قد يساهم في خلق جو ينقذ حياة الغابة
وهنا يجب على الكاتب أن يكون مثقف أيضا لكي يحتضن الغابة التي تحتضنه.
الشجرة مصدر إلهام
وترى الروائية والكاتبة “عائشة صالح” أن الكاتب إذا تأمل دفاتره وكتبه سيجد أن الشجرة مرتبطة ارتباط وثيق بعمله فلولا الأشجار ما كانت لتتواجد الكتب أصلا لأن صناعة الورق تعتمد على لب الشجر في الأساس
وإن أراد كتابة شيء ما وحتى يتدفق الإلهام بشكل أكبر لديه يجد أن التمشية وسط الطبيعة مع استنشاق نسيم صافي متجدد منبعث حديثا من عمق النباتات يعيد إليه الحياة والصفاء الذهني وهو ما يحتاجه كي يكتب ويبدع أكثر مع شعور جميل بالإيجابية والانتعاش.
وإن شعر بالجوع وبدأ يأكل طبق ما فإما أن يكون طعامه أصلا من مصدر نباتي كالخضار والفواكه والحبوب مثلا
ولكن حتى الأطباق الحيوانية هي في الأصل لأنعام عاشت وتغذت وكبرت عضلاتها ونضجت لحومها من أكلها للأعشاب والنباتات في الطبيعة
فيدرك أن الحياة النباتية هي الأصل والأساس لكل الحياة الحيوانية وكل الأكل على الكوكب.
ومع عودته لبيته يطرق الباب الخشبي السميك المصنوع من خشب شجرة الصنوبر ليتجه إلى مكتبه ويجلس على كرسي مصمم من خشب شجرة البلوط ويضع دفاتره وأدواته على طاولة مصنوعة من خشب شجرة الزان.
وهكذا لم تفارقه الطبيعة ولا الأشجار حتى عند نهاية يومه يتكئ لينام على سرير قاعدته من خشب السنديان وحتى في الأحلام إن رأي حدائق وغابات كثيفة غنّاء ينعم بالسكينة والراحة ويشعر كأنه في نعيم الجنان.
مؤكدة أنه عندما يكون كل شخص مسؤول بهذه الجهات على قدر عالي من الوعي والإدراك لأهمية الشجرة والغطاء النباتي ويكون عنده الشغف وحب العمل لخدمة الأرض التي يعمل من أجلها ويعيش فوق ترابها الخصب.
ويختلف السبب حسب كل كاتب ومجال اختصاصه واهتماماته وشغفه ومدى إدراكه ووعيه بعمق قيمة التشجير وأثره على المدى القريب وكذلك البعيد.