استطلاعات

صحف الثورة بين غياب التمويل.. والاحتواء السياسي

(بوابة الوسط)- عاش الليبيون في فترة حكم القذافي أزمة حقيقية مع الصحف وقراءتها ومتابعتها وشهدت الصحف الليبية رواجًا إبان العهد الملكي، إلى أن اعتمد القذافي سياسة إيقاف طبع الصحف الخاصة، واعتماد صحف حكومية جعلت الجمهور ينبذها، ويعزف عن اقتنائها لغيابها عن العمل الصحفي الحقيقي، وتكبيل الحريات العامة في التعبير ونشر الحقائق.

عن المصدر
عن المصدر

ظلت ليبيا لأكثر من 30 عامًا تعيش فترة “تجهيل” ممنهج لأجيال لا تستسيغ القراءة والاطلاع، إلى أن قامت ثورة 17 فبراير، ودفعت زخم إصدار الصحف والمجلات، وظهور شباب واعد أقبل على حرفة الكتابة والإخراج الصحفي.

لوحظ في الآونة الأخيرة تراجعٌ كبيرٌ في صدور تلك الصحف والمجلات، وغياب بعض منها، وكذلك استمرار صدور بعض آخر، بل ونجاحها الكبير في سوق توزيع الصحف، وإقبال جهات عامة خاصة على نشر إعلانات ممولة فيها وفي ضوء هذا التنوع والتناقض اجتهدنا في أخذ آراء بعض الصحفيين الذين أطلعونا على معايشتهم لتلك المرحلة.

“المستقلة” تنشر دون خوف

تقول رئيس تحرير صحيفة “برنيق” أسماء العرفي: “برنيق بدأت مع بداية الثورة يوم 8 مارس 2011، وإلى هذه اللحظة لم تُموَّل من وزارة الإعلام أو من هيئة دعم وتشجيع الصحافة. ما يميز الصحف المستقلة الخاصة هي أنها تستطيع النشر دون خوف من أحد بخلاف الصحف المدعومة. الصعوبات التي تواجه أي صحيفة خاصة هي التمويل المالي بالدرجة الأولى، والمحترفون بالدرجة الثانية، أما الأحداث فلا تنقصنا في ليبيا فالأحداث متجددة. هناك دائمًا مادة خام للإعلاميين”.

غياب الدعم

“واكبت الصحافة في أجدابيا أحداث الثورة في فبراير 2011، وكانت المواكبة من الصحفيين ومن المؤسسات التي انحازت منذ اللحظات الأولى لصوت الشعب، الذي نادى بإسقاط النظام وضرورة التغيير”، هكذا تحدث الصحفي من مدينة أجدابيا الصالحين الزروالي، مضيفًا: الصحيفة التي استمرت في الصدور هي صحيفة أخبار أجدابيا، (صدرت عام 1998)، وعانت ظروفًا كثيرة على رأسها المشاكل المادية في ظل ظروف قاهرة في تلك الأيام، خصوصًا في شرق ليبيا، حيث تخرج الصحيفة ببيت أحد الأصدقاء بعد أن تعرض مقرها وأجهزتها للتخريب والسرقة، وطُبعت في بنغازي في مطبعة دار النور مجانًا تقديرًا لجهدها على الرغم من وجودها في منطقة تماس والجبهة الشرقية، واستمرت على الرغم من شح الموارد، خصوصًا غياب الإعلانات. لم تتوقف على الرغم من الظروف، وهي لا تزال تواصل الصدور دون أن يتقاضى صحفيوها أي مقابل، وكانت فيما قبل الثورة تتبع الهيئة العامة للصحافة، (هيئة تشجيع ودعم الصحافة حاليًّا)، تقارب الوصول للعدد 800 حتى الآن ولكن التشجيع والدعم لم يصلها حتى اللحظة على الرغم من الوعود”.

في 2011 صدرت صحيفة “الحدث” (عن مؤسسة “ليبيا الحلم”)، بجهد مجموعة شابة لم تكن لها تجربة صحفية، حاولت أن تسهم في الثورة ولكن توقفت عن الصدور نظرًا للظروف المادية، وما لبث أن عاد بعضهم لسابق عمله ودراسته.

صدرت كذلك صحيفة “الرقيب” (لا تزال تصدر حتى اليوم)، توقفت لفترة بسبب الظروف المادية وغياب الإمكانات، والطاقم الذي أصدر هذه المطبوعة كانت لديه خبرة عملية وأكاديمية في المجال الصحفي والإعلامي، يترأس تحريرها أحمد بوراوي، وبرر مسيّروها ذلك التوقف للظروف المادية وغياب الدعم.

صدرت بعدها صحيفة “السفير”، وكان طرحها مختلفًا، وإخراجها مميزًا، وتناولت قضايا محلية وغير محلية، لكن لم يُكتَب لها الاستمرار كذلك، ترأس تحريرها حمد الجروشي وصدر منها 19 عددًا، كما صدرت صحيفة “الأجدابي”، بأعداد محدودة وفي شكل صغير وبسيط لكن لم يُكتَب لها الاستمرار طويلاً.

وقالت حنان النائلي-مخرجة صحفية: “هناك بعض الصحف صدرت إبان الثورة وتوقفت لعدة أسباب، منها قلة الإمكانات، وعدم وجود ممول يغطي تكلفة الطباعة”.

وزارة الإعلام لا تدعم الصحافة

يقول رئيس تحرير صحيفة “قورينا” فاتح الخشمي: “لا شك أن الصحافة في ليبيا عقب ثورة فبراير شهدت انطلاقة غير مسبوقة، من حيث كم المطبوعات الصادرة، حيث وصل العدد إلى قرابة 300 صحيفة على مستوى البلاد، إلّا أن هذا العدد المهول بدأ في التقلص نتيجة الصعوبات التي واجهتها الصحف، والتي على رأسها الصعوبات المادية، وندرة الكوادر الصحفية العاملة فيها؛ إذ أن أغلب تلك الصحف صدر عن ناشطين هواة دفعهم الحس الوطني والتعطش إلى الكتابة إلى إصدار مطبوعات، غايتها سرد أحداث الثورة، وليس عن مؤسسات صحفية متمرسة”.

بعد الثورة خاصة بعد تحرير طرابلس في العشرين من أغسطس 2011، أنشأ المجلس الوطني الانتقالي آنذاك هيئة بديلة عن الهيئة العامة للصحافة، أطلق عليها “هيئة دعم وتشجيع الصحافة”، إلا أن هذه الهيئة لم تضطلع بمهامها المنوطة بها، فبدل أن تعمل على دعم الصحف الصادرة آنذاك خاصة المتميزة منها، كونها أُسست بهدف دعم الصحف، عملت على إصدار صحف بديلة وبأسماء جديدة عن صحف الهيئة السابقة، إضافة إلى أن وزارة الإعلام إلى الآن لم تقم بأية جهود تجاه الصحافة، ومن حيث الحرية فإن فضاء حرية الصحافة بعد الثورة أصبح واسعًا لا حدود له، حتى وصل أحيانًا إلى الفوضى.

تبقى الصحافة في ليبيا بحاجة لدعم كبير من قبل الدولة ليس بالإمكانات المادية فقط، بل بمشتملات العمل الإعلامي كافة بدءًا من تأسيس معاهد خاصة للصحافة إلى النهوض بالكليات الإعلامية، لبناء إعلام ليبي له مكانته وموقعه بين الإعلام العربي والدولي والعالمي.

مقالات ذات علاقة

القارئ أثناء الكتابة ضيف لا مفر منه

خلود الفلاح

عندما تشرع الثقافة نوافذها في وجه الإرهاب

حنان كابو

مكتبات الكتاب بعد رحيلهم من كائنات حية إلى ديكور صامت

خلود الفلاح

اترك تعليق