ذات شتاء زرت مدينة الرقة، كان هناك مهرجان للرواية. دعاني اليه صاحب دار الحوار السورية الصديق نبيل سليمان، روائيون ونقاد عرب مشارقة ومغاربة وأتراك وغيرهم يتحدثون عن كتب بعضهم البعض، بطريقة تمرير الكرة لبعضهم فقط، لحس عجول؛ لحسني وألحسك، لم أشارك بورقة.. أصلا لا أفهم في النقد، وبعدين لا أحد منهم لحس أعمالي حتى بسطرين أو ثلاثة حسب ما قرأت في برنامج المهرجان، قلت خربْ وقلبْ فلم أجلس معهم في أي ندوة من ندواتهم، وقضيت أيام الملتقى الثلاثة متجولا في شوارع وأزقة الرقة، متأملا في وجوه البشر الهانئة والقلقة وهي تسعى إلى مشاغلها، متأملا في السماء التي تمطر أحيانا وتتوقف أحيانا حسب مزاج المزن والريح، أمر على مكتبة قرب الفندق، وليست ببعيدة عن حانة مظلمة باردة تقدم البيرة هينكن، يقول صاحب المكتبة هنا كان يجلس الأديب المرحوم عبدالسلام العجيلي.
ذات صباح أخذونا لزيارة ضريح صحابي جليل، هو عمار بن ياسر، تم تفجيره للأسف من قبل المتطرفين تقريبا في مارس 2014، الرقة مدينة جميلة أناسها كرام، تشعر فيها بالراحة والسعادة، آخر يوم جاء رئيس المهرجان يبحث عني، يعرف أين يجدني في مدينته الصغيرة. أخذني معه في سيارته إلى حفل الختام، قال لي سوّدت وجهي يا أصفر، الوزير أو المحافظ سيشرف المهرجان، أجلس معنا قليلا على الأقل، الكل يسأل عن الليبي الذي أسمه مكتوب في الأوراق لكن في الواقع فص ملح وذاب.. قلت له حاضر يا صديقي الحمود سأبيض وجهك لا تقلق، سأجعله أبيض كالشبّة وجلست قليلا في الحفل. صفقت مع المصفقين بحرارة لكلمة الوزير أو المحافظ أو الكوز الكبير. لا أعرف صفته أو من هو بالضبط.
حقيقة كنت في الصف الأول باعتباري ضيف مدعو.. لكن كانت مغبشة عندي، بعد كلمته بقليل تسللت وغادرت إلى فندق قريب من المجمع الثقافي، في طابقه الثاني مطعم صغير يقدم العرق، كان آنذاك الجو باردا جدا، وخطب الروائيين في حفل الختام رنانة جدا، تصل إلى زجاج النافذة، تطلب مني أن أفتحه لتصلني جملهم البليغة التي تفتح عكا، لم أفتح النافذة، فتحت زجاجة جديدة، وسكبت منها في الكأس وأضفت الماء ببطء، وصرت أتأمل كيف يتحول الماء إلى حليب أبيض.