قصة

أن نجتمع صُـــــدفة

آمنة محمود

(1)

الغريبُ أنَّنا لم يجمعنا حُبّ، ولا صداقَة، ولا قرابة، ولا جِيرة، ولا أيُّ شيءٍ يُعزِّزُ فُرصَ الحديثِ واللقاء!

لم ألمَحْكَ في “سوق الجمعة”، “أو سوق الزجاج”، طوابيرُ المصارف والمخابِز، أو ازدِحامُ “شارع خولة” آن المُناسبات، لم تُصادف سيّارتُك سيارتنا عند “جزيرة النِّيبو” حيثُ تقفُ مِئاتُ السيارات متعسِّرةَ المسيرِ ولا أجِدُ سيارتكَ بينها، لا “الصناعيّة”، ولا طريقُ “الأندلُس”، ولا محلّات “رابِعة”، لا عِيادة “باب درنة ولا المركز الطبِّي” أتُراكَ لا تمرض؟ أم أنَّكَ تُفضِّلُ “التمريس” و “غزالة الدلعيّة” ؟!، لا حيُّ المنارة بكبرهِ ولا المطَار القديم، لا مصيفُ “العودة” ولا “سان جورج” ولا حتى “راس بِياض”، لا “المِهنُ الشامِلة” ولا “مجمّع كليات الطّب” ولا “كلية القانون”..

لطالما شيّعتُ نظري باتِّجاهِ طوابيرِ البنزين علَّكَ بينها، تمنَّيتُ بمِليءِ شوقي أن نجتمعَ صدفة في أيِّ تركينة من تراكينِ هذه المدينة البائسة، أن أراكَ ولو لِطرفةِ عينٍ، حتى على ” امفوّز حي علمّك” ولكن يبدو أنَّهُ أنا التي “حي علمِّي! ” ..

هذهِ المدينةُ كريمةٌ مع الجميعِ إلا أنا، كلُطفِكَ أنتَ مع الجميعِ إلَّاي (الله يعطيك دعوة).. تنظُرُ باتِّجاهِ “فندق المسيرة”، تتنهد، تقولُ بكمَد:

“امعَاه علينا..

جافِي، وزاد امباعدة غالِينا..

يا طبرق انتِ قيسك”؟!

( 2 )

مُذ أحببتكَ يا عزيزي وأنا مذهوبةُ شِيرة.. أبحث عنك في ملامح العابرين، وكل سيارةٍ سوداء سيارتُك، أترنّح في أزِقةِ هذهِ المدينةِ كثمِلةٍ من شدّة شوقي لعينيك، أكحّلُ عيناي بالأرصفةِ والطُّرقات علّكَ تمُرّ فتخمدني..

أراقبُ حركة الإعمارِ التي تَحلّ على هذهِ البقعة المنسيّة، كورنيش جديد.. محالٌّ تِجارية.. ناطِحاتُ سحاب.. طُرُقات..

ولا شيءَ منها “رافَ بحالي” وجمعني بِك!

أليس ظُلماً يا “بو الخطّابية” أن نعيش بمدينةٍ تحظى كل يومٍ بصرحٍ جديد ولا نجتمع سويّاً؟ ما ضرّ لو أننا اختلفنا أمامَ محلٍّ فخمٍ من محلاتِ “حاتم بوقلة” نحتسي القهوة ونتعارك على اسمِ الشّارِع؟

عازَيتُ في هذهِ المدينة كثيراً، شرقتُ بها وغرّبت، تجولت “ببابِ الزّيتون، القعرة، كمبوت” دون فائدة! وعلى لافتةِ “بئر الأشهب ترحّب بكم” علّقتُ آمال اللّقاء!

رتّبَتْ طُبرق لمكرها لقائي بكل “السرايف”، وحينَ وددتُ أن ألقاكَ أنت، لم تفعل.. يقطعُ حبل أفكارها عجوزٌ أمام مطعمِ عنّابة، يقول بصوتٍ نشاز:

– نسمع فيك، آلو..آلو..آلو!

تشيحُ بنظرها عن الطّريق، تهمِسُ بِشجن:

ألو يا طبرق كيف الرّاي؟

أصحاب غلاي..

اصعب ملقاهم يا مطراي!

(3)

أودُّ إخباركَ الآن تحتَ رشرشةِ أمطار مطلعِ ديسمبر وفي عشيّةٍ أصحبُ فيها ذِكراك رِفقةَ شوارع طبرق المكّارة، وبعدَ عامينِ كامِلين أنَّني لَم أسَلِّم فيكَ قَطْ..

جاهدتُ بكُل ما أملِكُ مِن دمعٍ ودعواتٍ لألقاك ولم أُجدِ نفعًا.. مِرارًا علّقتُ بصَرِي صوبَ بيتكُم ومِرارًا كُنتَ ضايِل، كحّلتُ الأنظار بالأرصفةِ والطُّرقاتِ ولم أنَل سِوَى القطط وعوادِمِ السيّارات، كُلُّ مكانٍ تردّدتَ فيهِ زُرتهُ، ولِرُخصِ حظّي رأيتُ كلّ أقاربكَ عَدَاك كأنّك تتذارَى عنّي..

اليَومَ وضعتُ حلمَ رؤيتِكَ في ذِمّةِ الله، الله الذي علِمَ ويعلمُ عن كبائِرِ محبّتي وصغائرِها.. تتوقّفُ السيّارةُ بجانبِ فندق المسِيرة، تفتحُ الباب ساحِبةً شالها مُتأهّبةً للنزول، ترفعُ عينيها، يُقف صِدارها، تتسّعُ مُقلتاها، تُغمغِمُ بفرح:

– هو هو .. هذا جبّوتيّه البَيج، ما يبقى إلا هو!

يبتسمُ هوَ ساحبًا السّيجارةَ من فمِه، تقولُ وقد هطلت دمعةُ انتصارٍ على طرفِ ابتسامتِها:

جِيـت اصـــدارَه..

حنّـت علينا طبرق المڪّارة..

غالـي بعَد تموِيـح..

مقالات ذات علاقة

مدير مدرسة نموذجي

إبراهيم حميدان

لا شيء يدوم

رشاد علوه

القرار

عوض الشاعري

اترك تعليق